يجعل المستوى المتصاعد من ثاني أوكسيد الكاربون في الجو، محيطات العالم أكثر حامضية، وفقا لما يقوله علماء في الحكومة ومستقلون. ويحذرون من أن هذا الاتجاه، يمكن أن يبيد، في نهاية القرن، الشعاب المرجانية والكائنات التي تشكل شبكة الأغذية البحرية. وعلى الرغم من ان العلماء وبعض السياسيين قد بدأوا اخيرا التركيز على مشكلة حامضية المحيط، فانهم يصفونها باعتبارها واحدة من اشد المخاطر البيئية التي تواجه الأرض. وقال النائب الديمقراطي جاي انسلي من واشنطن، الذي تلقى إيجازا لمدة ساعتين حول الموضوع في مايو (ايار) الماضي مع خمسة آخرين من أعضاء مجلس النواب: «انها قنبلة موقوتة انفجرت في الأوساط العلمية، وأخيرا في أوساط المشرعين. وهي مثال آخر على انه عندما تضع مليارات الأطنان من ثاني أوكسيد الكاربون في الجو ستكون هناك هذه النتائج التي لم يكن لأحد منا ان يتوقعها». وقد أعاد توماس لوفجوي، رئيس مركز جون هاينز الثالث للعلوم والاقتصاد والبيئة، كتابة كتاب «تغير المناخ والتنوع البيولوجي»، وهو آخر كتبه، من أجل تسليط الأضواء مجدداً على مخاطر حامضية المحيط. وقال الأسبوع الماضي انه «التغير البيئي الأعمق الذي درسته في كل حياتي».
ومن المنتظر أن يصدر تحالف للعلماء الفيدراليين والجامعيين الآن تقريرا يصفون فيه كيف ان انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون، هي بحسب كلمات المركز القومي للأبحاث المناخية والادارة القومية لشؤون المحيط والمناخ «تغير على نحو دراماتيكي كيمياء المحيط وتهدد المرجان والكائنات العضوية البحرية الأخرى التي تفرز الهياكل العظمية». ولفترة عقود من الزمن، ظل العلماء يصورون امتصاص المحيطات لثاني أوكسيد الكاربون كإضافة بيئية، لأنه يخفف آثار التسخين الحراري. ولكن بأخذ ثلث واحد من ثاني أوكسيد الكاربون، والكثير منه ناجم عن عوادم السيارات ومشاريع الطاقة الكهربائية والمصادر الصناعية الأخرى، فإن المحيطات تحول مستوى الحامضية والقاعدية.
ومستوى الحامضية والقاعدية، الذي يقاس في «وحدات»، هو حساب توازن حامضية السائل وقاعديته. وكلما كان عدد الوحدات أقل كانت الحامضية أعلى، وكلما كان عدد الوحدات أكثر كانت القاعدية أعلى. وكان مستوى الحامضية والقاعدية في محيطات العالم مستقرا بين 1000 و1800، ولكنه انخفض بعشر الوحدة منذ الثورة الصناعية، وفقا لكريستوفر لانغدون أستاذ البيولوجيا البحرية في جامعة ميامي.
ويتوقع العلماء أن ينخفض مستوى الحامضية والقاعدية بـ 0.3 من الوحدات بحلول عام 2024، وهو ما يمكن أن يلحق أضرارا جدية بالكائنات البحرية التي تحتاج الى كاربونات الكالسيوم لبناء قواقعها وهياكلها العظمية. وما أن يجري امتصاص ثاني أوكسيد الكاربون في مياه البحر، فإنه يشكل حامض الكاربونيك ويقلل من حامضية وقاعدية المحيط، جاعلا من الصعب على المرجان والكائنات الصغيرة المعلقة أو الطافية والقواقع البحرية الصغيرة ان تشكل أجزاء جسمها.
وقال كين كالديرا، أستاذ كيمياء المحيطات في جامعة ستانفورد، الذي قدم إيجازا للمشرعين سوية مع جوان كليباس، اخصائية البيئة البحرية في المركز القومي للأبحاث المناخية، ان المحيطات أكثر حامضية مما كانت عليه خلال «ملايين السنين». وقال كالديرا ان «ما سنفعله في العقد المقبل سيؤثر على محيطاتنا لملايين السنين. فمستويات ثاني أوكسيد الكاربون تتزايد على نحو سريع جدا، وهي تمارس تأثيرا كبيرا على الحياة البحرية». وعبر البعض عن ارتيابهم بتكهنات التسخين العالمي المعتمدة على النماذج الكومبيوترية، ولكن حامضية المحيط أقل إثارة للجدل، لأنها ترتبط بالكيمياء الأساسية. وقال لوفجوي «يمكنك ان تنسخ هذه الظاهرة عبر النفخ في أنبوبة ورقية في قدح ماء وتغيير مستوى حامضية وقاعدية الماء».
ويعتبر هوغو لويسيغا، أستاذ الجغرافيا في جامعة كاليفورنيا بسانتا بربارا، واحدا من أكاديميين قلائل يرتابون في الظاهرة. وقد نشر لويسيغا، وهو عالم مياه جوفية، بحثا في مجلة الاتحاد الجغرافي الأميركي الصادرة في مايو (ايار) الماضي، أشار فيه الى ان المحيطات قد لا تصبح حامضية الى هذا الحد، لأن ما يكفي من المواد الكاربونية سيساعد على حفظ التوازن فيها.
وكتب لويسيغا انه على الرغم من أن مياه البحر في مناطق معينة قد تصبح اكثر حامضية بمرور الزمن، فإنه «على مستوى عالمي وبمرور الزمن (بمئات السنين)، لن تكون هناك تغيرات بارزة في ملوحة أو حامضية مياه البحر، بسبب التركيز المتزايد لثاني أوكسيد الكاربون في الجو». وقد كتب ما يزيد على عشرين عالما رسالة يشككون فيها بهذا الافتراض، طالما ان الأمر يمكن أن يستغرق آلاف السنين لوصول مثل هذه المواد من الأرض الى المحيطات.
وأجرى العلماء عددا من التجارب القليلة على حامضية المحيط في السنوات الأخيرة. وأظهرت كل هذه التجارب أن إضافة ثاني أوكسيد الكاربون الى الماء يقلل من معدل نمو الكائنات المرجانية، ويمكن أن يؤدي الى تحلل القواقع. وتوصل لانغدون، الذي قام بتجربة بين أعوام 1996 و2017 في مختبرات جامعة كولومبيا، الى أن الكائنات المرجانية نمت بمعدل النصف في الأحواض المائية عندما تعرضت الى مستوى ثاني أوكسيد الكاربون، الذي يتوقع ان يوجد في عام 2050. وقال لانغدون إنه بالتوافق مع درجات حرارة أعلى في البحر يسببها تغير المناخ، فان الكائنات المرجانية قد لا تبقى على قيد الحياة بحلول نهاية القرن.