ولمّا كان هذا القرءان العظيم معجزة باقية ؛ صار من الصعب الإحاطة بجميع أسراره العظيمة ، وآياته البليغة ، وإن المؤمن ليعتصره الأسى ؛ إذا يرى أمته أعرضت عن كتاب ربها ، وما الإقبال على القرآن بالقراءة والهذ كهذ الشعر ، فكل يحسنُ هذا ، ولكن أين من يقف عند آياته ويتدبر كلماته ؟!
ولذلك قال ابن كثير رحمه الله في آية الفرقان " وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرءان مهجورا" ، قال: "وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه ، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ".
وكان قد أشكل عليّ قبل مدة الجمع بين آية النساء : " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها… " ، وبين آية الحديد " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته… " ، فإن العطف والاقتران يفيد التغاير كما هو معلوم ، وقد فرق سبحانه وتعالى بينهما في آية النساء ، واستخدم لفظ الكفل مكان النصيب في الحديد ..
وقد كنتُ وقفت على ذلك قبل مدة قريبة من العام ، ونسيتُ ذلك ، ولمّا استشكلت علي يسر الله لي الاطلاع عليها مرة أخرى ..
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – بعد أن ساق كلامًا عن الشفاعة " فإن لفظ الكفل يُشعر بالحمل والثقل ، ولفظ النصيب يُشعر بالحظ الذي ينصبُ طالبه في تحصيله ، وإن كان كلٌ منهما يستعمل في الأمرين عند الانفراد ، ولكن لمّا قرن بينهما ؛ حسن اختصاص حظ الخير بالنصيب ، وحظ الشر بالكفل". روضة المحبين (430).
وسأورد في قابل الأيام- بإذن الله – ما وقفتُ عليه من توجيهات ابن القيم الرائعة ، وهي توقظ القلب ، وتشعل الإحساس بالآيات عن قراءتها ، ومن ذلك تفريقه بين الجنات المذكورة في سورة الرحمن ، مقارنته بينهما ، وتفريقه بين المشرق والمغرب ، وبين المشرقين والمغربين ، وبين المشارق والمغارب.
والله أعلى وأعلم ، ورد العلم إليه أسلم.