تخطى إلى المحتوى

الحجاب الشرعي: آية إدناء الجلابيب ومدى دلالتها 2024.

  • بواسطة
بسم الله الرحمن الرحيم:

هذه هي الحلقة الثانية من موضوعنا عن الحجاب نسأل الله تعالى أن يتقبله منا ويغفر لنا خطأنا.

آية "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" ومدى دلالتها على الحجاب الشرعي:

معنى الإدناء لغة:
لسان العرب (1/662):
والإِقْرابُ الدُّنُوُّ وتَقارَبَ الزرعُ إِذا دَنا إِدراكُه ابن سيده وقارَبَ الشيءَ داناه وتَقَارَبَ الشيئانِ تَدانَيا وأَقْرَبَ المُهْرُ والفصيلُ وغيرُه إِذا دنا للإِثناءِ.

(14/271):
دَنا من الشيء دنُوّاً ودَناوَةً قَرُب. مادة (دنا)

القاموس المحيط ص 1656:
دَنا و دُنُوّاً ودَناوَةً : قَرُبَ كأَدْنَى . ودَنَّاه تَدْنِيَةً وأدْناهُ : قَرَّبَه . واسْتَدْناهُ : طَلَبَ منه الدُّنُوُّ . والدَّنَاوَةُ : القَرابَةُ والقُرْبَى .

قال الراغب الأصبهاني في "المفردات" : (دنا، الدنو : القرب ،…….. ويقال دانيت بين الأمرين وأدنيت أحدهما من الآخر…..) ثم ذكر الآية .

وانظر تاج العروس للزبيدي والنهاية في غريب الأثر لابن الأثير والعين للخليل الفراهيدي وغيرها.

معنى الجلباب لغة:
قال ابن الأثير في "النهاية" : (الجلباب : الإزار والرداء وقيل الملحفة وقيل كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها وجمعه جلابيب).

وقال الراغب الأصبهاني في "المفردات" : (الجلابيب : القمص والخمر).

وبوب البخاري في صحيحه لحديث أم عطية (لتلبسها أختها من جلبابها) بقوله (باب : وجوب الصلاة في الثياب).

حديث أم عطية رضي الله عنها :
(( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد، قالت أم عطية : إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لِتُلْبِسَها أختُها من جلبابها )) . متفق عليه .

فيه دليل على أن النساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن، وعليه فالمرأة السفعاء الخدين كانت متجلببة .

صفة الإدناء شرعا:
أولا: الرأي القائل أن صفة الإدناء لا يلزم منها تغطية الوجه:

1- أخرج أبو داود في سننه عن أم سلمة قالت
: لما نزلت { يدنين عليهن من جلابيبهن } خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية.
وهو حديث صحيح صححه الألباني وغيره انظر سنن أبي داود (2/459) وغاية المرام ص 282.

قلت: فلو كان الإدناء على الوجه لقالت أم سلمة "كأن على وجوههن" وليس "رؤوسهن".

2- قال أبو داود في مسائله ص 100:
حدثنا أحمد -يعني ابن محمد بن حنبل- قال: حدثنا يحيى وروح عن ابن جريج قال: أخبرنا عطاء قال: أخبرنا أبو الشعثاء: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:

" تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به".

قال الألباني: أخرجه أبو داود في " مسائله" (ص110) بسند صحيح جدّاَ .
وأورد ابن كثير هذا الأثر بقريب من هذا اللفظ في كتابه إرشاد الفقيه (1/324) ولفظه عنده:

((قال ابن عباس تدلي عليها جلبابها ، ولا تضرب به على ، وجهها))انتهى.
وقال عنه في تحقيقه له: إسناده جيد لا بأس به.

3- وأخرج ابن جرير في تفسيره بسند صحيح عن أبي نجيح عن مجاهد قال :يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة .

انظر الدر المنثور (6/661) حيث قال السيوطي: وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم .
وانظر تفسير مجاهد (2/521).
قلت: والتجلبب هذا هو ما يستر البدن مع الرأس فقط كما قال الشيخ الألباني.
إذا علمت هذا عملت مدى علم سليمان الخراشي حيث يقول تعليقا على قول الشيخ الألباني في تفسير الآية ((لا يشمل تغطية الوجه؛ لأن الجلباب هو ما يستر البدن مع الرأس فقط)):
((ولو كان الأمر كما قرر الشيخ لقال الله تعالى (يتجلببن) ولم يقل (يدنين عليهن من جلابيبهن))) انتهى كلامه ثم علل هذا بتعليلات عقلية!!
وهو ناقل عن أبي هشام الأنصاري ( كما في كتاب عودة الحجاب 3 / 213 ) أو ربما هو توارد أفكار!!
وما درى أن تفسير للآية قال به مجاهد إمام التابعين في التفسير ومتلقيه عن حبر الأمة عبد الله بن عباس.فتأمل!!

4-قال قتادة رحمه الله تعالى في تفسير (الإدناء) :
"أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب".

أخرجه ابن جرير (22/23) بسند صحيح عنه.

قال الألباني معلقا:
((فقوله:" يقنعن" أي: يلبسن القناع ويشددنه على الحواجب والرأس فإن القناع هو أوسع من المقنع والمقنعة ما تقنع به المرأة رأسها كما في "القاموس" وغيره وتقدم مثله (ص19- 20) عن الحافظ وغيره)).

ثانيا: الرأي القائل أن صفة الإدناء يستلزم منها تغطية الوجه:
في البداية نقول لم يصح أثر عن الصحابة يؤيد هذا الرأي في هذه الآية وما يردده البعض عن ابن عباس فلا يصح أبدا وليس هذا مجاله.
غاية ما صح مؤيدا لهذا الرأي:
ما رواه ابن جرير وغيره عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله { قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } قال : فقال بثوبه فغطى رأسه ووجه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه.

قال الشيخ الألباني في رسالته الرد المفحم:
وبيان ضعفه من وجوه:

1- أنه مقطوع موقوف فلا حجة فيه لأن عبيدة السلماني تابعي اتفاقاً فلو أنه رفع حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان مرسلاً لا حجة فيه فكيف إذا كان موقوفاً عليه كهذا؟! فكيف وقد خالف تفسير ترجمان القرآن: ابن عباس ومن معه من الأصحاب؟!

2- أنهم اضطربوا في ضبط العين المكشوفة فيه فقيل: "اليسرى" –كما رأيت- وقيل:" اليمنى" وهو رواية الطبري (22/33) وقيل: "إحدى عينيه " وهي رواية أخرى له ومثلها في " أحكام القرآن " للحصاص (3/ 371) و " تفسير البغوي " ( 3 / 444 ) وغيرهما.

3- ذكره ابن تيمية في " الفتاوى" (15/ 371) بسياق آخر يختلف تماماً عن السياق المذكور فقال:

" وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره: إن نساء المؤمنين كنَّ يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق".

ونقله عنه التويجري (166) وابن عثيمين (ص13) وغيرهما وارتضوه.

وإذا عرفت هذا فاعلم أن الاضطراب عند علماء الحديث علة في الرواية تسقطها عن مرتبة الاحتجاج بها حتى ولو كان شكلياً كهذا لأنه يدل على أن الراوي لم يضبطها ولم يحفظها على أن سياق ابن تيمية المذكور ليس شكلياً كما هو ظاهر لأنه ليس في تفسير الآية وإنما هو إخبار عن واقع النساء في العصر الأول وهو بهذا المعنى صحيح ثابت في أخبار كثيرة كما سيأتي في الكتاب بعنوان:" مشروعية ستر الوجه" (ص104) ولكن ذلك لا يقتضي وجوب الستر لأنه مجرد فعل منهن ولا ينفي وجود من كانت لا تستر وجهها بل هذا ثابت أيضاً في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده كما سيأتي وتقدم بعضها.

4-مخالفته لتفسير ابن عباس للآية كما تقدم بيانه فما خالفه مطرح بلا شك.
انتهى من ص 54-56 من رسالته المذكورة.

قلنا:
فلفظ الآية لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع على أنه يلزم منه ذلك بل قد ورد عن الصحابة والتابعين عكسه بل هو كذلك عن جمهورهم وقد قدمناه وإذا استدل علينا مستدل بأن أكثر المفسّرين قالوا: إنه يستلزمه فهذا معارض بقول بعض الصحابة والتابعين –بل جمهورهم- وغيرهم : إنه لا يستلزمه، وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه وثبت أن المقصود بها عكس ما ذهب إليه فريق الموجبين.
ولو قال لنا شخص ما إن جمهور المفسرين ذكروا أن الآية تدل على تغطية الوجه قلنا له:
أولا: قولهم إنه يلزمه لا يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا فهم الصحابة له.
ثانيا:أن هؤلاء المفسرين أنفسهم قولهم في هذه الآية مجمل جدا جدا وهم أنفسهم قد فسروا آية الزينة بما سبق أن وضعناه من كلامهم وكلامهم هناك مفصل ولا شك ان المفصل يقدم على المجمل وهذا معروف.

بعض أقوال العلماء في تأييد ما قلنا:
1- قال ابن القطان في النظر في أحكام النظر ( فإن قيل هذا الذي ذهبت إليه من أن المرأة معفو لها عن بدو وجهها وكفيها ـ وإن كانت مأمورة بالستر جهدها ـ يظهر خلافه من قوله تعالى وساق آية الإدناء ؟ فالجواب أن يقال : يمكن أن يفسر هذا الإدناء تفسيرا لا يناقض ما قلناه وذلك بأن يكون معناه : يدنين عليهن من جلابيبهن مالا يظهر معه القلائد والقرطة مثل قوله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فإن الإدناء المأمور به مطلق بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه إدناء فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه إدناء يقضي به عن عهدة الخطاب إذ لم يطلب به كل إدناء فإنه إيجاب بخلاف النهي والنفي ).

2- قال ابن حزم في المحلى(3/218): ( وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله واحد والخلقة والطبيعة واحدة كل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده )
ثم قال : (وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}. إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك؛ لأن الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب؛ ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يعترضونهن.
قال: ونحن نبرأ إلى الله من هذا التفسير الفاسد الذي هو إما زلة عالم ووهلة فاضل عاقل, أو افتراء كاذب فاسق؛ لأن فيه أن الله تعالى أطلق الفساق على أعراض إماء المسلمين وهذه مصيبة الأبد وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالأمة وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق.. إلى آخر ما قال رحمه الله وكأنه بذلك ينتقد رأي كثير من المفسرين الذين قالوا بهذا الأمر).

3- قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة (ص 86-88):
(وهذا ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها وهذا كما ترى أمر مطلق فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى (آية الزينة) وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فعليه يشمل الوجه) إلى أن قال :
( ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور :
الأول : أن القرآن يفسر بعضه بعضا وقد تبين من آية النور المتقدمة أن الوجه لا يجب ستره فوجب تقييد الإدناء هنا بما عدا الوجه توفيقا بين الآيتين.
الآخر : أن السنة تبين القرآن فتخصص عمومه وتقيد مطلقه وقد دلت النصوص الكثيرة منها على أن الوجه لا يجب ستره فوجب تفسير هذه الآية على ضوئها وتقييدها بها).

والله تعالى أعلم.

بارك الله فيكم اخانا ابا الهيثم طرح موفق باذن الله

اجزل الله لكم الثواب و الاجر و اوفاه

القعدة اقتباس القعدة
القعدة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انين مذنبة القعدة
القعدة
القعدة

بارك الله فيكم اخانا ابا الهيثم طرح موفق باذن الله

اجزل الله لكم الثواب و الاجر و اوفاه

القعدة القعدة
و فيكم بارك الله جزاكم الله خير.

بارك الله فيك و جزاك الفردوس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.