تخطى إلى المحتوى

التعامل مع صاحب المال الحرام للشيخ فركوس حفظه الله 2024.

التعامل مع صاحب المال الحرام

السؤال:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، شيخنا الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا بعد:
فأستسمحكم شيخنا -رعاك الله- أن أقتطع جزءا من وقتكم عسى أن تجيبوا على مسألتي وتجدوا حلاّ لمشكلتي، وهي أنّ أخي موظف بشركة قائمة على أساس غير شرعي إذ هو مفتش في الضرائب وهو غير متزوج يقيم معنا في البيت، ولكونه لا يستحلّ بماله لشراء لوازم البيت فإنّي أجد حرجا في الانتفاع بما يأتي به أكلا أو استعمالا مع العلم أنّه ليس هو المعني بالإنفاق بل الوالد هو المنفق لكن يساعده في كل شيء تقريبا، فهل يحرم عليّ الانتفاع بما يجلبه إلى البيت أم لا ؟ وأحيانا يكون الأكل مزيجا من المال الحلال أي: مال الوالد ومال أخي الذي لا أستطيع أن أقول إنّه حرام حيث إنّ هذه الكلمة لها مدلول عظيم مؤثر على العائلة ولا يقبلونه، وذلك أنّ أخي استفتى إماما بالحيّ فأجاز له العمل في الشركة علما أنّه يعتبره أهلا للسؤال والفتوى باعتباره إماما يُصلّي بالنّاس، حافظ للقرآن له علم. وأمّا أنا فلا أعتبره كذلك إذ هو حافظ للقرآن فقط وليس له أصول وضوابط المجتهد -فيما أعلم- بل سمعت عنه أمورا تجعلني لا أثق فيه منها أنّه يكتب التمائم ويرقي بأساليب غير شرعية كسؤاله عن اسم والدة المريض وغيره.

فهل يكون بهذا إثمه على من أفتاه وماله حلال ينتفع به الجميع أم يبقى بالنسبة إليّ حراما لعدم صدور الفتوى من أهلها؟
كذلك هو يسأل عن كونه أحيانا يساعد أصحاب المحلات في تقليص وتخفيض قيمة الضريبة وكثيرا ما يكون جزاء هذا العمل أنّهم يقدمون له هدايا وسلعا من تلك المحلات والمصانع فما حكم عمله هذا للمساعدة ؟
وما حكم الهدايا ؟ ودائما تحت فتوى الإمام السابق أنّها حلال ما دام لم يطلبها هو
أفيدونا شيخنا حفظكم الله.
ملاحظة: وإن لم أستطع إقناع أخي أنّ المؤسسة غير شرعية إلاّ أنّه بدأ يشك في الأمر لذا فهو يحاول أن يدخل ميدان التجارة غير أنّه لم يوفق بعد، لعلّ سبب ذلك المال الحرام فأطلب منكم شيخنا الدعاء له بالتوفيق دون أن تنسوا صاحب السؤال.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فبالنسبة لصاحب العمل غير المشروع في الأصل إذا قبض المال بطريق فاسد يعتقد صحته بناء على فتوى من ظن السائل أنّه أهلا لها واطمأنت نفسه إليه فإنّه يملك ما قبضه لأنّه سلك لمعرفة الحكم الشرعي الطريق المطلوب المتمثل في قوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [النحل43]، وفي قوله صلى الله عليه و سلم: "ألا سألوا إذا لم يعلموا إنّما شفاء العي السؤال"(١)، وإن وقع الإثم فإنّما يقع على من أفتاه من غير ثبت أو سند شرعي أو لم يكن أهلا للاجتهاد والفتوى, فإذا توفرت في المفتي الشروط المعتبرة في الفتوى فهو مأجور أصاب أو أخطأ لحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعا: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"(٢)، والعامي لا مذهب له، وله أن يتخيّر من العلماء إذا عجز عن إدراك الأفضل علما وورعا, فإن علم بعد ذلك حكم التحريم فيه وجب عليه التخلص منه ورده إن كان باقيا أو بدله إن كان فائتا, فإن لم يعلم صاحبه, فإلى المرافق العامة يوّجه, وإلاّ فإلى الفقراء والمساكين والمحتاجين يتصدق به لقوله تعالى: (و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) [البقرة278] وقوله تعالىالقعدةفمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) [البقرة275]
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيبا، وإنّ الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرّسل كلّوا من الطيبات و اعملوا صالحا) [المؤمنون51] وقال تعالىالقعدةيا أيّها الذين آمنوا كلّوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إيّاه تعبدون)[البقرة172]، ثمّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك"(٣) والهدايا وال****ا المأخوذة بسبب المنصب حرام وغلول لقوله صلى الله عليه وسلم "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذه فهو غلول"(٤) ولقوله صلى الله عليه و سلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول"(٥) وفي الحديث أيضا:"من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا"(٦) .
أمّا بالنسبة للسائل المعتقد للتحريم – وهو في يد أبويه – فإن كان المال المحرم الممزوج بغيره من الحلال من غير تمييز أقلّ من الحلال حلّ لأنّ الأقل يتبع الأكثر، فإن امتنع عنه للورع فإنّه يعارضه الورع في طلب رضا الوالدين وهو آكد من الأول فضلا عن حاجة بدنه إليه, وإن كان الأكثر حراما حرم, إقامة للأكثر مقام الكلّ، قطع به ابن الجوزي في المنهاج تأسيسا على قاعدة أنّ للأكثر مقام الكلّ إذ معظم الشيء يقوم مقام كلّه على ما قرره الزركشي في قواعده وعليه فليمتنع عن مؤاكلة والديه وإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وإن رأى من نفسه أنّه لا سبيل لقوام بدنه إلاّ عن طريقه فليقلل من الأكل ولا يوسع إلاّ بقدر الحاجة عملا بقاعدة الضرورات تقدر بقدرها، وما زاد عن ذلك فهو عدوان.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.

______________________________ __________

١- أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب في المجروح يتيمم(336)، والدارقطني في سننه(744)، والبيهقي(1115)، من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في تمام المنة (ص131)، وفي صحيح سنن أبي داود(336) . ٢- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنة» باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (6916)، ومسلم في «الأقضية» باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ: (4487)، وأبو داود في «الأقضية» باب في القاضي يخطئ (3574)، وابن ماجه في «الأحكام» يجتهد فيصيب الحق (2314)، وأحمد: (17360)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. ٤- أخرجه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء باب في أرزاق العمال، من حديث بريدة رضي الله عنها، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع(5899)، وفي صحيح الترغيب والترهيب(779). ٦- أخرجه أو داود كتاب البيوع باب في الهدية لقضاء الحاجة، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(3465). ٣- أخرجه مسلم كتاب الزكاة باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ٥- أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة، والترمذي كتاب الطهارة باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، وابن ماجه كتاب الطهارة وسننها، باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.