بسم الله الرحمن الرحيم
أولا: تعريف الإخلاص
الإخلاص هو إرادة المرء لوجه الله سبحانه وتعالى في كل أعماله وحركاته وسكناته وعباداته، الظاهرة والباطنة، إرادة لا تخالطها شائبة دنيوية: ظاهرة أو خفية، قال الله تعالى:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. [سورة الفاتحة، الآية 4].
﴿وَمَآ أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُوتُوا الزَّكَاةَ وَذَالِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. [سورة البينة، الآية 5].
﴿قُلِ اِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَآيْ وَمَمَاتِيَ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَآ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾. [سورة الأنعام، الآيتان 162-163].
ثانيا: ضرورة الإخلاص
الإخلاص عمل من أعمال القلوب وهو أساس ومعيار قبول الأعمال، هو ضروري في الحياة لأنه العاصم من الوقوع في المعاصي والمنكرات، وهو السبيل للفلاح في الدنيا والآخرة. أورد أبو حامد الغزالي، رحمه الله، في الإحياء: «كل الناس هلكى إلا العالمون، وكل العالمون هلكى إلا العاملون، وكل العاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون في خطر عظيم».
ثالثا: حقيقة الإخلاص
لا يتحقق الإخلاص إلا باستحضار شروط هي:
1 . الاهتمام بالنظر إلى الخالق دون المخلوقين، قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُومِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىا عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّـئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. [سورة التوبة، الآية 105]
2. استواء الظاهر بالباطن والعلانية بالسر.
3. إدراك أن كل الأعمال لا تكفي لأداء شكر نعمة واحدة، لذا لابد من الاعتراف أولا بكل النعم، وثانيا بالعجز عن أداء شكرها.
4. اليقين بأن الإنسان لا يدخل الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لن يُدخل أحدكم الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل». ]متفق عليه[
رابعا: أهمية النية في تحقيق الإخلاص
النية عمل من أعمال القلب، فعلى المؤمن أن يحدد نيته، ففي حديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…). [رواه الشيخان].
وقال عبد الله بن المبارك: [رُبّ عمل صغير تعظمه النية، ورُبّ عمل كبير تصغره النية].
والإخلاص عمل صعب، فهو مرتبط بالنية والنية متغيرة لذلك يقول سفيان الثوري: [ما عالجت شيئا أشدّ علي من نيتي لأنها تتقلّب علّي]، وقال يحيى بن كثير: [تعلّموا النية فإنها أبلغ من العمل].
خامسا: بواعث الإخلاص
1. العلم: إدراك أهمية الإخلاص وضرورته وأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له، والإخلاص عند أبي حامد الغزالي علم وحال وعمل.
2. قراءة سير المخلصين: لا يخلو ماضي الأمة الإسلامية ولا حاضرها من النماذج المخلصة التي جعلت حياتها وقفا لله تعالى، فالإقتداء بأمثالهم والاهتداء بهداهم يعين على الإخلاص، فإن كانوا من الأحياء صاحبناهم، وإن كانوا من الأموات صاحبنا عملهم فالسير والأعمال الصالحة لا تموت بموت أصحابها.
3. محاربة الشيطان ومجاهدة النفس: جهاد النفس والشيطان من الأمور التي تساعد على الإخلاص، فمجاهدة النفس يكون بمقاومة رغباتها وجمح شهواتها الدنيوية. يقول الحسن البصري –رحمه الله- (ما الدابة الجموح بأحوج إلى اللجام الشديد من نفسك)، ويقول الإمام البويصري –رحمه الله:
خالف النفس و الشيطان و أعصهما و إن مـحضّاك النـصح فاتهـم
ولا تطـع منهما خصما ولا حكما فأنت تعرف كيد الخصم والحكـم
4. صحبة المخلصين: وهذا من أعظم البواعث على الإخلاص، لأن في الإقتداء بهم صلاح وفي التأسي بهم فلاح، فهم معادن نفيسة يقتبس الصاحب منهم نقاوتهم، وأسوة حسنة يأخذ عنهم فضائلهم، ومن رحمة الله تعالى على عباده أن الحياة لا تخلو منهم.
5. الدعاء والاستعانة بالله: الدعاء والاستعانة بالله هو سلاح المؤمن إذ لا عون إلا من الله تعالى ولا توفيق إلا به، ومن الأدعية المأثورة: (اللّهم إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه). [رواه أحمد].
سادسا: ثمرات الإخلاص
للإخلاص ثمرات يجنيها المخلص في الدنيا والآخرة، منها:
1. سكينة النفس وطمأنينة القلب: إن الله سبحانه وتعالى يلقى في قلب المخلص سكينة وراحة نفسية كتلك التي ألقاها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو مع صاحبه في الغار، سكينة يتذوق بها المخلص حلاوة الإيمان ويجد فيها راحة البال في السّراء والضّراء.
2. قوة الروح على الاستمرار في العمل الصالح، إذ لا مثيل للإخلاص في تقوية عزيمة المرء، ولا دواء غير الإخلاص يرفع همته في مواصلة سعيه لنيل رضا الله وثوابه.
3. نيل الأجر والثواب: الإخلاص هو الضمان الوحيد لنيل مثوبة الله، فالمرء مأجور بإخلاصه أكثر من عمله، وقد ينال أجرا دون أن يعمل عملا إذا أخلص النية.
4. تأييد الله ومعونته: التأييد والنصر مرتبطان بالله عزّ وجلّ، والله يؤيد بعونه من كان مخلصا له. يقول عزّ من قائل: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلآَ أَن رَّأَىا بُرْهَانَ رَبـِّهِ كَذَالِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَآءَ اِنـَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ ]سورة يوسف، الآية 24[، ومن نصره الله فلا غالب له.
5. تحصين ثواب الأعمال: الإخلاص ليس سبيلا لتحصيل الثواب فحسب وإنما أيضا الوسيلة التي توفر الحصانة للأجر والثواب.
6. تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة: الإخلاص لله هو السبب المباشر والطريق الوحيد الذي يُكسب المرء السعادة في الدارين.
7. العصمة من الشيطان: الإخلاص يحفظ المرء من نزغات الشيطان ومن هوى النفس الأمارة بالسوء، يقول الله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيـِّنـَنَّ لَهُمْ فِي الاَرْضِ وَلأُغْوِيـَنـَّهُمُ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.]سورة الحجر، الآيتان 39-40].
المصدر : الدكتور السعيد بوزري
ارجو الافاذة بادن الله
تحياتي للجميع
في امان الله
سلام الله عليكم