تخطى إلى المحتوى

الإيمـان بالقدر خيره وشره 2024.

الإيمـان بالقدر
الإيمان بالقدر : هو الاعتقاد الجازم بأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه ، وأنه تعالى قدر المقادير خيرها وشرها ، حلوها ومرها ، وهو الذي خلق الضلالة والهداية ، والشقاوة والسعادة وأن الآجال والأرزاق بيده سبحانه وتعالى .
والقدر بفتح الدال: تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته.
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور:
الأول : الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة و تفصيلا، أزلاً وأبداً، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله أو بأفعال عباده.
الثاني : الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السّمَآءِ وَالأرْضِ إِنّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ}54 .
الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى ، سواء كانت مما يتعلق بفعله، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين، قال الله تعالى فيما يتعلق بفعله: {وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ}55.
وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين : {وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَسَلّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ}56.
الرابع : الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها وصفاتها وحركاتها ، قال تعالى : {اللّهُ خَالِقُ كُـلّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}57،وقال{وَخَلَقَ كُلّ شَيْءٍ فَقَدّرَهُ تَقْدِيراً}58،وقال عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه:{وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}59 .
والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدره عليها ، لأن الشرع والواقع دالان على إثبات ذلك له.
أما الشرع: فقد قال الله تعالى في المشيئة: {فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً}60 ، وقال : {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُمْ}61 ، وقال في القدرة : {فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ}62 ، وقال : {لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }63 .
وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك ، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي ، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش ، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته ، لقوله تعالى : {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ}64 ، ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته .
والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا يمنح العبد حجة على ترك الواجبات ، أو فعل من المعاصي ، وعلى هذا فاحتجاجه باطل من وجوه :
الأول : قوله تعالى : {سَيَقُولُ الّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتّىَ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاّ تَخْرُصُونَ}65 ، ولوكان لهم حجة بالقدر ما أذاقهم الله بأسه.
الثاني : قوله تعالى : {رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}66 ، ولو كان القدرة حجة للمخالفين لم تنتف بإرسال الرسل لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدرة الله تعالى .
وللإيمان بالقدر ثمرات جليلة منها:
الأولى : الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمد على السبب نفسه لأن كل شيء بقدر الله تعالى.
الثانية : أن لا يعجب المرء بنفسه عند حصول مراده ، لان حصوله نعمة من الله تعالى بما قدره من أسباب الخير والنجاح وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
الثالثة : الطمأنينة والراحة النفسية بما يجري عليه من أقدار الله تعالى، فلا يقلق بفوات محبوب أو حصول مكروه، لأن ذلك بقدر الله الذي له ملك السماوات والأرض وهو كائن لا محالة، وفي ذلك يقول الله تعالى: {مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}67.ويقول النبي بالقدر:"عجبـا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ". رواه مسلم.
وقد ضل في القدر طائفتان:
الأولى : الجبرية الذين قالوا إن العبد مجبر على عمله وليس له فيه إرادة ولا قدرة.
الثانية : القدرية الذين قالوا إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر.
والرد على الطائفة الأولى (الجبرية) بالشرع والواقع:
أما الشرع فإن الله تعالى أثبت للعبـد إرادة ومشيئة وأضاف العمل إليـه قال الله تعالى : {مِنكُم مّن يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنكُم مّن يُرِيدُ الاَخِرَةَ}68 .
وأما الواقع فإن كل إنسـان يعلم الفرق بين أفعـاله الاختيارية التي يفعلها بإرادته كالأكل والشرب والبيع والشراء ، وبين ما يقع عليه بغير إرادته كالارتعاش من الحمى والسقوط من السطح ، فهو في الأول فاعل مختار بإرادته من غير جبر، وفي الثاني غير مختار ولا مريد لما وقع عليه.
والرد على الطائفة الثانية (القدرية) بالشرع والعقل:
أما الشرع فإن الله تعالى خالق كل شيء وكل شيء كائن بمشيئته، وقد بين الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته فقال تعالى : {وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيّنَاتُ وَلَـَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}69 ، وقال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـَكِنْ حَقّ الْقَوْلُ مِنّي لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ}70 .
وأما العقل فإن الكون كله مملوك لله تعالى والإنسان من هذا الكون فهو مملوك لله، ولا يمكن للمملوك أن يتصرف في – ملك المالك إلا بإذنه ومشيئته .


مراجع السلسة
1 البقرة : 177
2 القمر : 49-50
3 رواه مسلم
4 رواه البخاري
5 الطور : 35
6 الأنبياء : 76
7 الأعراف : 54
8 البقرة : 163
9 الأعراف : 180
10 الشورى : 11
11 الأنبياء : 19-20
12 رواه مسلم
13 فاطر : 1
14 الذاريات : 56-58
15 الجن : 14-15
16 الجن : 11
17 الرحمن : 46-47
18 الجن : 6
19 المائدة : 48
20 المائدة : 48
21 النساء : 163
22 الأحزاب : 40
23 النحل : 36
24 الأعراف : 188

25 الشعراء :79-81
26 الإسراء : 3
27 الفرقان : 1
28 الشعراء : 105
29 الأحزاب : 7
30 غافر : 78
31 النساء : 65
32 الإسراء : 95
33 الأنبياء : 104
34 المؤمنون : 15-16
35 متفق عليه
36 المؤمنون : 115
37 القصص : 85
38 الغاشية : 25-26
39 كنفه : ستره
40 هود : 18
41 البينة : 7-8
42 السجدة : 17
43 آل عمران : 131
44 الكهف : 29
45 التغابن : 7
46 البقرة : 56
47 الروم : 27
48 فصلت : 39
49 أو للشك من الراوي كما في الصحيحين
50 الأنعام : 93
51 غافر : 46
52 فصلت : 30
53 الزمر : 42
54 الحج : 70
55 القصص : 68
56 النساء : 90
57 الزمر : 62
58 الفرقان : 2
59 الصافات : 96
60 النبأ : 39
61 البقرة : 223
62 التغابن : 16
63 البقرة : 286
64 التكوير : 28-29
65 الأنعام : 148
66 النساء : 165
67 الحديد : 22-23
68 آل عمران : 152
69 البقرة : 253
70 السجدة : 13
71 المرجع : كتاب نبذة في العقيدة الإسلامية للشيخ محمد بن صالح العثيمين

هذه السلسلة هي من خير ما أنتقي في العقيدة فاستفيدوا منها لا تنسونا من صالح دعائكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.