تخطى إلى المحتوى

اسماء الله الحسنى كما قرر ابن عثيمين يرحمه الله 2024.

فمن كتاب الله تعالى 81 اسما : الله الأحد الأعلى الأكرم الإله الأول والآخر والظاهر والباطن البارئ البر البصير التواب الجبار الحافظ الحسيب الحفيظ الحفي الحق المبين الحكيم الحليم الحميد الحي القيوم الخبير الخالق الخلاق الرءوف الرحمن الرحيم الرزاق الرقيب السلام السميع الشاكر الشكور الشهيد الصمد العالم العزيز العظيم العفو العليم العلي الغفار الغفور الغني الفاتح القادر القاهر القدوس القدير القريب القوي القهار الكبير الكريم اللطيف المؤمن المتعالي المتكبر المتين المجيب المجيد المحيط المصور المقتدر المقيت الملك المليك المولى المهيمن النصير الواحد الوارث الواسع الودود الوكيل الولي الوهاب ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 18 : الجميل * الجواد * الحكم * الحيي* الرب* الرفيق* السبوح* السيد* الشافي* الطيب* القابض* الباسط* المقدم* المؤخر* المحسن* المعطي* المنان* الوتر.

معانى الأسماء الحسنى
الله جل جلاله الرَّحْمَنُ
اسم الله الرحمن ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا ومنونا مفردا ومقترنا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه كما جاء في قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) [الرحمن:1/2] ، وقوله : ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى ) [الإسراء:110] ، وقد ورد الاسم في خمسة وأربعين موضعا من القرآن اقترن في ستة منها باسمه الرحيم ، ولم يقترن بغيره في بقية المواضع ، قال تعالى : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) [الحشر:22] ، وقال : ( تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ).
الله جل جلاله الرَّحْمَنُ
الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم ، والرحمة في حقنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم ؛ إما بالعون أو بالعطف والمسامحة ، والرحمة تستدعى مرحوما فهي من صفات الأفعال ، والرحمن اسم يختص بالله سبحانه وتعالى ولا يجوز إطلاقه في حق غيره . ومعنى اسم الله الرحمن الذي ورد في القرآن والسنة هو اتصاف المسمى برحمته لكافة خلقه بأن خلقهم ورزقهم وأمهلهم فيما خولهم واستأمنهم ، ابتلاء لهم إلى حين لقيآه ؛ فرحمته وسعت كل شيء وهي من أعظم صفاته بالنسبة لعباده ، لأنها في الدنيا شَمِلَت المؤمنين والكافرين فبها تنفتح أبواب الرجاء والأمل وتثير مكنون الفطرة وصالح العمل وتدفع أبواب الخوف واليأس وتشعر الشخص بالأمان والأمان . والله عز وجل غلبت رحمته غضبه ، ولم يجعل الله لنا في الدنيا إلا جزءا يسيرا من واسع رحمته ، به يتراحم الناس ويتعاطفون ، وكذلك سائر الأحياء في الأرض أجمعون كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أنه سَمِع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا ، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ). وفي رواية أخرى عند البخاري : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ). وورد عند البخاري أيضا من حديث عُمَر بن الخطاب رضى الله عنه أَنَّهُ قَالَ : ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي (5) ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ (6)، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) فالرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة تظهر في أهل الدنيا مقتضى العلة وتحقق في خلقهم غاية الحكمة ، فمن رحمته أنه أنعم عليهم وفيهم من يشكر أو يكفر فقال تعالى : } وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { [القصص:73] ، وقال : } وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً { [الفرقان:48] ، وقال : } فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [الروم:50]. ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين في الدنيا فإن الله عز وجل خص هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنة ، فقال تعالى : } الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5] ؛ وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ). وذلك لأن الله فوق الخلائق أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فحياتهم قائمة بإذنه وأرزاقهم مكنونة في غيبه وبقائهم رهن مشيئته وأمره ؛ ومن ثم لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله ، فهو الملك الذي استوى على عرشه ودبر أمر الخلائق في مملكته برحمته وحكمته قال تعالى : } الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً { [الفرقان:59].
الله جل جلاله الرَّحِيمُ
اسم الله الرحيم تحققت فيه شروط الإحصاء ، فقد ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا ومنونا ، مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، واسم الله الرحيم اقترن باسمه الرحمن كما تقدم في ستة مواضع من القرآن ، وغالبا ما يقترن اسم الله الرحيم بالتواب والغفور والرءوف والودود والعزيز ، وذلك لأن الرحمة التي دل عليها الرحيم رحمة خاصة تلحق المؤمنين ، فالله عز وجل رحمته التي دل عليها اسمه الرحمن شملت الخلائق في الدنيا ، مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم ، لكنه في الآخرة رحيم بالمؤمنين فقط . ومما ورد في الدلالة على ثبوت اسم الله الرحيم قوله تعالى : ( تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ) [فصلت:2] ، وقوله : ( سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) [يّس:58] ، وكذلك قوله تعالى : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الحجر:50]. أما أدلة السنة فمنها ما رواه البخاري من حديث أَبِى بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي ، قَالَ: ( قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ ، وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : ( إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ).
الله جل جلاله الرَّحِيمُ
الرحيم في اللغة صيغة من صيغ المبالغة ، فَعِيلٌ بمعنى فاعلٍ كسَمِيعٌ بمعنى سامِع وقديرٌ بمعنى قادر ، والرحيم دل على صفة الرحمة الخاصة ، والرحمة هنا بمعنى المغفرة وهي خاصة بالمؤمنين ، فالرَّحْمَنُ الرحيم بُنيت صفة الرحمة الأُولى على فَعْلاَنَ لأَن معناه الكثرة فرحمته وسِعَتْ كل شيء وهو أَرْحَمُ الراحمين ، وأَما الرَّحِيمُ فإِنما ذكر بعد الرَّحْمن لأن الرَّحْمن مقصور على الله عز وجل ، والرحيم قد يكون لغيره فجيء بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة لاختصاص المؤمنين بها ، كما في قوله تعالى : } وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما ً{ [الأحزاب:43] ، وقال سبحانه : } نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ً{ [الحجر:49] ، وقال عبد الله بن عباس رضى الله عنه : هما اسمان رقيقان أَحدهما أَرق من الآخر . والرحمة الخاصة التي دل عليها اسمه الرحيم شملت عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة فقد هداهم الله في الدنيا إلى توحيده وعبوديته ، وهو الذي أكرهم في الآخرة بجنته ومن عليهم برؤيته ، ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأهلهم ، قال تعالى في نبأ الخضر والجدار : } وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ { [الكهف:82] ، فالإيمان بالله والعمل على طاعته وتقواه سبب لحصول رحمته ، قال تعالى : } وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { [آل عمران:132] ، وقال : } إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ { [المؤمنون:109] ، وقال : } وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون { [الأنعام:155].
الله جل جلاله المَلِكُ
اسم الله الملك ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا بالألف واللام مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه ، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى : ( هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُون َ{ [الحشر:23] ، وقوله : ( فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ) [المؤمنون:116] . وعند مسلم من حديث عَلِىِّ رضي الله عنه في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ : ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ .. الحديث ) (1) ، وعند البخاري من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ وَيَطْوِى السماوات بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا المَلِكُ ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ) ، وعند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُل لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ الليْلِ الأَوَّلُ فَيَقُولُ : أَنَا المَلِكُ ، أَنَا المَلِكُ ، مَنْ ذَا الذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ .. الحديث ).
الله جل جلاله المَلِكُ
أصل الملك في اللغة الربط والشد ، قال ابن فارس : ( أصل هذا التركيب يدل على قوة في الشيء وصحة ، ومنه قولهم : ملكت العجين أملكه ملكا إذا شددت عجنه وبالغت فيه ) ، والملك هو النافذ الأمر في ملكه ، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه فالملك أعم من المالك ، والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له ، ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال : } وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً { [الكهف:79] ، فهو ملك مخلوق وملكه مقيد محدود. والملك الحق هو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة أحد من الخلق ، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق ، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك ، فالملك له الأمر والنهي في مملكته يتصرف في خلقه بأمره وفعله ، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته ، ولذلك قال تعالى : } قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ { [سبأ:22/23] ، وهذه الآية اشتملت على نفي الوجوه التي تعلل بها المشركون في التعلق بمعبوداتهم ، فنفت الآية عن آلهتهم كل أوجه التأثير في الكون ممثلة في أربعة أشياء: 1- نفي الملك التام لانعدام ربوبيتهم فلا يخلقون في الكون شيئا ولا يدبرون فيه أمرا ، ومن ثم فالملك كله لله كما قال : } لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ { .2- نفي المشاركة لله في الملك بأن يكون لهم نصيب وله نصيب ، فنفى عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السماوات والأرض ، فقد يقول المشرك هي شريكة للملك الحق ، فقال : } وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ { . 3- نفي الظهير والمعين فقد يدعى بعض المشركين أن آلهتهم لا يملكون شيئا ولا يشاركون الله في الملك ، ولكن قد تكون له ظهيرا أو معينا وزيرا يعاون في تدبير الخلق والقيام على شئونه فقال تعالى : } وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ { . – نفي الشفاعة عنده إلا بإذنه لأنهم تعلقوا بها إذ هي الحجة الباقية فقالوا : } مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى { ، فأخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، فهو الذي يأذن للشافع فإن لم يأذن له لم يتقدم بالشفاعة بين يديه كما يكون في حق المخلوقين فإن المشفوع عنده يحتاج إلى الشافع ومعاونته له فيقبل شفاعته وإن لم يأذن له فيها فقال سبحانه : } وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ { . والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى وكلها تبين أن الملك الحق هو الله وأنه لا خالق ولا مدبر للكون سواه ، وأنه هو القائم بسياسة خلقه إلى غايتهم ، وملكه هو الحق الدائم له.
الله جل جلاله القُدُّوسُ
ورد الاسم في القرآن مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه في موضعين من القرآن ، الأول في قوله تعالى : ( هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [الحشر:23] ، والثاني في قوله : ( يُسَبِّحُ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ) [الجمعة:1] ، ومن السنة ما ورد عند مسلم من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) ، وفي سنن أبي داوود وقال الألباني حسن صحيح من حديث شَرِيقٌ الهَوْزَنِي رضي الله عنه عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا هَبَّ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا وَهَللَ عَشْرًا .. الحديث ).
الله جل جلاله القُدُّوسُ
التقديس في اللغة التطهير ، والقدستعني الطهر ، ومنها سميت الجنة حظيرة القدس كما ورد عند البزار في مسنده وهو صحيح لغيره من حديث أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عن رب العزة : ( من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه في حظيرة القدس ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس ). وسمى جبريل عليه السلام روحالقدس في قوله تعالى : } قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ { [النحل:102] ، والقداسة تعني الطهر والبركة ، وقدس الرجل ربه أي عظمه وكبره وطهر نفسه بتوحيده وعبادتهومحبته وطاعته , ومنها قول الملائكة : } وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ { [البقرة:30] فالقدوس لغة يعني المطهر المنزه عن كل نقص المتصف بكل أنواع الكمال. واسم الله القدوس يعني المنفرد بأوصاف الكمال المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، والتقديس الذي هو خلاصة التوحيد الحق إفراد اللَّه سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص فقال : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ { [الشورى:11] ، فلا مثيل له نحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم لأنه القدوس المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد ، ثم أثبت الله لنفسه أوصاف الكمال والجمال فقال بعد نفي النقص مطلقا وجملة : } وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { [الشورى:11] ، فلا يكون التقديس تقديسا ولا التنزيه تنزيها إلا بنفي وإثبات .
الله جل جلاله السَّلامُ
لم يرد الاسم في القرآن إلا في موضع واحد وهو قوله تعالى : ( هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [الحشر:23] ، وفي هذا الموضع ورد مطلقا معرفا مرادا به العلمية ومسندا إليه المعنى محمولا عليه ودالا على الوصفية وكمالها .
وعند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( كُنَّا إِذَا صَليْنَا خَلفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلنَا : السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ ، فَالتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ .. الحديث ) ، وفي صحيح مسلم من حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه أنه قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ : اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) ، وفي صحيح الجامع من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ‌إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ).
الله جل جلاله السَّلامُ
السلام في اللغة مصدر استعمل اسما للموصوف بالسلامة ، فعله سلم يسلم سلاما وسلامة ، والسلامة الأمان والاطمئنان والحصانةالبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة والخلاص من كل مكروه وعيب ، ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة قيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الآفات ، قال تعالى : } لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {[الأنعام:127] ، وقال بعضهم : ( السلام ههنا الله لأنها دار الله عز وجل فأضيفت إليه تفخيما لها ودليله قوله تعالى : } السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ { [الحشر:23] ) ، وقيل : سميت دار السلام لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع ولا تفنى وهي دار السلامة من الموت والهرم والأسقام .
من السلامة أيضا السلام في التحية الخالصة كما ورد عند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ … الحديث ).
والله عز وجل هو السلام لسلامته من العيب والنقص ، فهو الذي سلم في ذاته بنورها وسبحاتها وجلالها ، كما ورد عند مسلم من حديث أَبِي مُوسَى رضى الله عنه مرفوعا : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) ، وهو الذي سلم في صفاته بكمالها وجمالها وعلو شأنها ، وسلم أيضا في أفعاله بطلاقة قدرته ونفاذ مشيئته ، وكمال عدله وبالغ حكمته ، وهو داعي العباد إلى السلام وإفشاء السلام كما قال : } وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً {[الفرقان:63] ، وهو الذي يدعو إلى سبل السلام باتباع منهج الإسلام قال تعالى : } يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ {[المائدة:16] ، وهو الذي يدعو عباده إلى دار السلام ويبلغ الموحدين منهم إليها كما قال : } وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {[يونس:25] ، وقال : } سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ {[يس:58] ، فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه.
الله جل جلاله الأَوَّلُ
اسم الله الأول سمى الله نفسه به على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في نص واحد من النصوص القرآنية ، قال تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد:3] ، وورد في السنة عند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شيء وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شيء ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَليْسَ فَوْقَكَ شيء ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ ).
الله جل جلاله الآخِرُ
اسم الله الآخر ورد مع الاسم السابق في قوله تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد:3] ، وكذلك ورد في السنة في دعاء النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم الذي تقدم : ( وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شيء ).
الله جل جلاله الظَّاهِرُ
ورد الاسم مقترنا بالاسمين السابقين في قوله تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد:3] ، وفي السنة أيضا دعاء النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم الذي تقدم في اسمه الأول : ( وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَليْسَ فَوْقَكَ شيء ).
الله جل جلاله البَاطِنُ
ورد الاسم مع الأسماء الثلاثة السابقة في قوله تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [الحديد:3] ، وكذلك ورد في السنة في دعاء النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم الذي تقدم في اسمه الأول : ( وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء ).
الله جل جلاله المُؤْمِنُ
المؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان ، وأصله أمن يأمن أمنا ، والأمن ما يقابل الخوف ، والإيمان في حقنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا ، فمن الأول قوله تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام لما أخبروا والدهم عليه السلام عن خبره : } وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ {[يوسف:17] ، ومن الثاني ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهفي وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ صلى الله عليه و سلم قَالَ لهم : ( أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ ) (1) ، أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال كلها يدل عليها الاسم ويشملها ، لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال :
القول الأول : أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه ، وأمن من آمن به من عذابه ، فكل سينال ما يستحق ، قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيما ً{[النساء:40] ، وقال : } وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {[الكهف:49].
القول الثاني : أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم ، بمعنى يؤمنه وينصره ، كما قال تعالى : } قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {[المؤمنون:88] ، وقال تعالى : } قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {[الملك:28] ، لن يجدوا ملاذا ولا مأمنا ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنهأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلمكَانَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ) , وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ : } وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ { ).
القول الثالث : أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، لأنه الواحد الذي وحد نفسه بشهادته فقال : } شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ {[آل عمران:18]، وهذه الآية تحمل أعظم المعاني في كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله ؟
وبيان ذلك أننا لو فرضنا بقياس الأولى ولله المثل لأعلى طلابا وأساتذة ومقررا واختبارا ، وبعد الاختبار تنازع المجتهدون من الطلاب مع الكثرة الغالبة في صحة الجواب ، فزعم الخاسرون أنهم على الصواب وأن إجابتهم توافق المنهج المقرر في الكتاب ، وأن المجتهدين من الطلاب هم المخطئون فطالبوا التحاكم إلى شهادة أستاذهم ، فشهد بخطئهم وصحة جواب المجتهدين ، فكذبوا أستاذهم وطالبوا بشهادة الأعلى من المتخصصين ، فشهدوا لأستاذهم وللمجتهدين ، فكذبوهم وطالبوا بشهادة من وضع الاختبار ومن يرجع إليه القرار ، وأقروا على أنفسهم أن شهادته ملزمة لهم وأنها فصل المقال ، فشهد بصحة جواب المتخصصين والأساتذة والمجتهدين وكانت شهادته لهم تصديقا وإعلاما وإخبارا وحكما عدلا وقولا فصلا لا مجال لرده ولا معقب لقوله .
إذا علم ذلك فالله عز وجل وله المثل الأعلى جعل قضية الخلق هي شهادة ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ، وجعل أحكام العبودية أو الأحكام الشرعية هي المنهج المقرر على طلاب السعادة في الدنيا والآخرة كما قال : } قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ {[البقرة:38].
فإذا أهمل طلاب السعادة منهج الهداية وجعلوا سعادتهم في عبودية الشهوات والشبهات ، وتناسوا مرحلة الابتلاء والكفاح والرغبة في النجاح والفلاح وتسببوا في ضلالهم بمخالفتهم الرسل ، ثم أعلنوا زورا وبهتانا أنهم كانوا على الصواب ، وأنهم الكثرة الغالبة عند الحساب ، وأنهم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر في الكتاب فكذبوا على أنفسهم كما ذكر الله في شأنهم : } ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون{[الأنعام:23/24].
وعند طرح القضية طلبت الأطراف المعنية شهادة داعيتهم أو أولو العلم من قومهم وهم الذين نقلوا لهم مراد ربهم ، فشهد أولو العلم بضلال المشركين وخطئهم وصحة ما جاء عن رسلهم ، فما كان من المشركين إلا أن كذبوهم وطالبوا بمن هو أعلى ليشهد على صحة جوابهم واستحقاقهم للنجاح ، فشهدت الملائكة أيضا بخطئهم وصحة ما جاء عن رسلهم فكذبوهم وطالبوا شهادة من وضع الاختبار ومن يرجع إليه الفصل والقرار ، وأقروا على أنفسهم أن شهادته هي الفيصل في القضية وأن حكمه ملزم لكل الأطراف المعنية ، فقراره للجميع إلزام ، وشهادته قضاء وإعلام وحكمه حكم لا يرد ، فهو الحد الذي يفصل بين المتنازعين ويميز بين المؤمنين والمشركين ، فكان قضاء أحكم الحاكمين وله المثل الأعلى أنه شهد بصدق المرسلين وخسران المشركين تصديقا للموحدين وإنصافا لمذهبهم وتكذيبا لأعدائهم وتصديقا للملائكة وأولي العلم ، فهو سبحانه المؤمن الذي شهد أنه لا إله إلا هو ، وأنها كلمة الحق وحقيقة التوحيد ، وأنها رد على جميع من ضل من العبيد ، فتضمنت كلمة التوحيد أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به .
فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت عند السلف أربع مراتب ، علمه سبحانه بذلك وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه به وأمرهم وإلزامهم به ، وعبارات السلف في الشهادة تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها ، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه
القول الرابع : أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم ، قال تعالى : } قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {[آل عمران:95] ، وقال : } ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ {[الأنبياء:9] ، وقال : } إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ {[القمر:55] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنهأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قال : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهأنه قَالَ : ( قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى دَرَجَةِ الْكَعْبَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) ، فالمؤمن في أسماء الله هو الذي يصدق في وعده ، وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه ، وجميع المعاني السابقة حق يشملها الاسم .
الله جل جلاله السَّمِيعُ
سمى الله نفسه السميع في كثير من النصوص القرآنية والنبوية ، وقد ورد فيها الاسم مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، فمن القرآن قوله تعالى : ( ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الشورى:11] ، وقوله : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) [النساء:58] ، وقد ورد الاسم مقترنا باسم الله العليم في أكثر من ثلاثين موضعا ، ومقترنا باسم الله البصير في أكثر من عشرة مواضع ، ومقترنا باسم الله القريب في قوله تعالى : ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) [سبأ:50] .
وفي السنة ورد عند البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : كنّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَر ، فكنا إذا عَلونا كبَّرنا ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس أربَعوا على أنفُسِكم فإنكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غائباً ، ولكنْ تدعون سميعاً بصيراً ).
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح في صلاته قبل القراءة بقوله : ( أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ).
الله جل جلاله البَصِيرُ
اسم الله البصير ورد مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ومقترنا باسم الله السميع في آيات كثيرة كقوله تعالى : ( سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الإسراء:1] ، وقوله : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [الحج:75] ، وقد ورد مطلقا منونا مفردا في موضعين ومقترنا بالسميع في ستة مواضع ، قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ) [الفرقان:20] .
أما ما ورد في السنة فقد تقدم الحديث في الاسم السابق : ( فإنكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غائبا ، ولكنْ تدعون سميعاً بصيراً ) ، وورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قْرَأ هَذِهِ الآيَةَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) ، ثم قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ .
الله جل جلاله المَوْلَى
اسم الله المولى ورد في القرآن علي سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، قال تعالى : ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الأنفال:40] ، وقال سبحانه : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الحج:78] ، وقد ورد مقيدا في قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ) [محمد:11] ، وقوله : ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [التوبة:51].
وعند البخاري من حديث الْبَرَاء بْن عَازِبٍ رضي الله عنه أن أبا سفيان قال يوم أحد : ( إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم : أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقُولُ ؟ قَالَ : قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ ).
الله جل جلاله النَّصِيرُ
ورد الاسم مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ومقرونا باسم الله المولى في موضعين من القرآن ، قال تعالى : ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الأنفال:40] ، وقال : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الحج:78] ، وقد ورد الاسم مقيدا في غير موضع من القرآن كقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) [التوبة:116] ، وقوله : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ) [الفرقان:31] ، وعند أبي داود والترمذي وصححه الألباني من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا غَزَا قَالَ : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي ، بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ).
لله جل جلاله السميع
السميع في اللغة على وزن فَعِيل من أبْنِيةِ المُبالغة فعله سَمِعَ يسَمْع سَمعاً ، والسَّمْعُ في حقنا ما وَقَر في الأُذن من شيء تسمعه ، والسمع صفة ذات وصفة فعل ، فصفة الذات يعبر به عن الأذن والقوة التي بها يدرك الأصوات كما في قوله : } خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ { [البقرة:7] ، أما صفة الفعل فتارة يكون السمع بمعنى الاستماع والإنصات كقوله تعالى : } وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا { [الأحقاف:29] ، وقوله أيضا : } نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً { [الإسراء:47] ، وتارة يعبر به عن الفهم كما قال تعالى : } وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا { [الأنفال:31] ، وكقوله : } قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا { [البقرة:93] ، أي : فهمنا قولك ولم نأتمر بأمرك ، وتارة يعبر به عن الطاعة كقوله : } وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا { [البقرة:285] ، أي : فهمنا وأتمرنا .
والسميع سبحانه هو المتصف بالسمع كوصف ذات ووصف فعل ، فوصف الذات وصف حقيقي نؤمن به على ظاهر الخبر في حقه ، وظاهر الخبر ليس كالظاهر في حق البشر كما يتوهم من تلوث عقله بالتشبيه والتعطيل ، لأننا ما رأينا الله ولا ندري كيفية سمعه ، وما رأينا مثيلا لذاته وصفته ، وليس إثبات الصفات تشبيها أو تجسيما كما أشار بعضهم على الخليفة المأمون أن يكتب على ستر الكعبة : ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ) ، بدلا من قول الله تعالى : } ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { ، فاعتقد أن إثبات السمع في حق الله تشبيه وأنه لا بد أن يكون سمع الله بأذن كما هو شأن الإنسان ، ومن ثم حرف الكلام عن موضعه وكذب بالقرآن وهذا باطل لأن الله يسمع بالكيفية التي تناسب عظمته وهو الذي يعلم حقيقة سمعه وكيفيته ، قال الأَزهري : ( والعجب من قوم فسَّروا السميعَ بمعنى المسْمِع فِراراً من وصف اللَّه بأَن له سَمْعاً ، وقد ذكر اللَّه الفعل في غير موضع من كتابه فهو سَمِيع ذو سَمْعٍ بلا تكييفٍ ولا تشبيه بالسمع من خلقه ، ولا سَمْعُه كَسَمْعِ خلقه ، ونحن نصف اللَّه بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف ، ولست أُنكر في كلام العرب أن يكون السميع سامِعاً ويكون مُسْمِعاً ).
وقد روى أبو داود وصححه الألباني من حديث سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : ( سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا { إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : } سَمِيعًا بَصِيرًا { ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ : قَالَ الْمُقْرِئُ يَعْنِي : } إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ { يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ ).
ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم في فعله لا يعني أن سمع الله كسمعه أو بصره كبصره أو أن الظاهر في حق الله كالظاهر في حقة ، وإنما أراد صلى الله عليه و سلم أن يثبت لله السمع والبصر كوصف ذات له على ما يناسب كماله وجلاله ، قال إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : ( إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ يَدٌ كَيَدٍ أَوْ مِثْلُ يَدٍ أَوْ سَمْعٌ كَسَمْعٍ أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ ، فَإِذَا قَالَ سَمْعٌ كَسَمْعٍ أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ فَهَذَا التَّشْبِيهُ وَأَمَّا إِذَا قَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَدٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ وَلاَ يَقُولُ كَيْفَ وَلاَ يَقُولُ مِثْلُ سَمْعٍ وَلاَ كَسَمْعٍ فَهَذَا لاَ يَكُونُ تَشْبِيهًا وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : } ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {) .
أما السمع كوصف فعل لله فهو الذي يتعلق بمشيئة الله عز وجل ، أو على المعنى الخاص الذي فيه إجابة الدعاء والإسماع لمن يشاء ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه مرفوعا : ( وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ) (5) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأَرْبَعِ ) (6)، وكقوله تعالى : } وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ { [فاطر:22] .
لله جل جلاله البصير
البَصِيرٌ في اللغة من أبنية المبالغة ، فعيل بمعنى فاعل ، فعله بَصُرَ يُبصِرُ ، وبَصُرَ به بَصَراً وتَبَصَّرَهُ ، وأبصَر يُبصِرُ إبْصَارا قال تعالى : } فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ { [الأنعام:104] وتَبَاصَرَ القومُ أَبْصَرَ بعضهم بعضاً ، والبَصَرُ يقال للعَيْنُ إِلاَّ أَنه مذكر ، ويقال البَصَرُ أيضا لحِسُّ العَيٌّن والنظر ، أو القوة التي تبصر بها العين أو حاسة الرؤْية ، والجمع أَبْصارٌ ، والتَّبَصُّر التَّأَمُّل والتَّعَرُّفُ والتعريف والإِيضاح ، والبَصيرة الحجةُ والاستبصار في الشيء ، وهي اسم لما يعقد في القلب من الدين وتحقيق الأَمر ، وقيل : البَصيرة الفطنة ، ورجلٌ بَصِيرٌ بالعلم عالم به ، وبَصرُ القلب نَظَرهُ وخاطره
والبصير سبحانه هو المتصف بالبصر ، والبصر صفة من صفات ذاته تليق بجلاله يجب إثباتها لله دون تمثيل أو تكييف أو تعطيل أو تحريف ، فهو الذي يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة ويرى الأشياء كلها مهما خفيت أو ظهرت ومهما دقت أو عظمت ، وهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
وهو البصير الذي يمن على المؤمنين بكرمه وفضله وينعم عليهم بلقائه ورؤيته ، ولا يكلم الكافرين ولا ينظر إليهم بلطفه ورحمته ، فهم مخلدون في العذاب محبوبون عن رؤيته ، قال تعالى : } أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { [آل عمران:77] ، وقال : } كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ { [المطففين:15] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن النَّبِيِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ ).
لله جل جلاله المولى
والمَوْلَى في اللغة اسمٌ يقع على عدة معان ، فالمولى يطلق على الرَّب والمَالِك والسَّيْد والمُنْعم والمُعْتق والنَّاصِر والمُحِب والتَّابِع والجَار وابن العَمّ والحَلِيف والعَقِيد والصِّهْر والعَبْد والمُنْعم عليه ، والفرق بين الولي والمولى أن الولي هو من تولى أمرك وقام بتدبير حالك وحال غيرك وهذه من ولاية العموم ، وأما المولى فهو من تركن إليه وتعتمد عليه وتحتمي به عند الشدة والرخاء وفي السراء والضراء ، وهذه من ولاية الخصوص .
والمولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ويعتمد عليه المؤمنون في الشدة والرخاء والسراء والضراء ، ولذلك خص الولاية هنا بالمؤمنين ، قال تعالى : } ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ { [محمد:11] ، وقال : } وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ { [الأنفال:40] ، وقال : } قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ { [التوبة:51] .
والله عز وجل جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره والعمل في طاعته وحبه والسعي إلى مرضاته وقربه ، فمن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ).
الله جل جلاله النَّصِيرُ
ورد الاسم مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ومقرونا باسم الله المولى في موضعين من القرآن ، قال تعالى : ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الأنفال:40] ، وقال : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الحج:78] ، وقد ورد الاسم مقيدا في غير موضع من القرآن كقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) [التوبة:116] ، وقوله : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ) [الفرقان:31] ، وعند أبي داود والترمذي وصححه الألباني من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا غَزَا قَالَ : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي ، بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ).
لله جل جلاله السميع
السميع في اللغة على وزن فَعِيل من أبْنِيةِ المُبالغة فعله سَمِعَ يسَمْع سَمعاً ، والسَّمْعُ في حقنا ما وَقَر في الأُذن من شيء تسمعه ، والسمع صفة ذات وصفة فعل ، فصفة الذات يعبر به عن الأذن والقوة التي بها يدرك الأصوات كما في قوله : } خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ { [البقرة:7] ، أما صفة الفعل فتارة يكون السمع بمعنى الاستماع والإنصات كقوله تعالى : } وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا { [الأحقاف:29] ، وقوله أيضا : } نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً { [الإسراء:47] ، وتارة يعبر به عن الفهم كما قال تعالى : } وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا { [الأنفال:31] ، وكقوله : } قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا { [البقرة:93] ، أي : فهمنا قولك ولم نأتمر بأمرك ، وتارة يعبر به عن الطاعة كقوله : } وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا { [البقرة:285] ، أي : فهمنا وأتمرنا .
والسميع سبحانه هو المتصف بالسمع كوصف ذات ووصف فعل ، فوصف الذات وصف حقيقي نؤمن به على ظاهر الخبر في حقه ، وظاهر الخبر ليس كالظاهر في حق البشر كما يتوهم من تلوث عقله بالتشبيه والتعطيل ، لأننا ما رأينا الله ولا ندري كيفية سمعه ، وما رأينا مثيلا لذاته وصفته ، وليس إثبات الصفات تشبيها أو تجسيما كما أشار بعضهم على الخليفة المأمون أن يكتب على ستر الكعبة : ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ) ، بدلا من قول الله تعالى : } ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { ، فاعتقد أن إثبات السمع في حق الله تشبيه وأنه لا بد أن يكون سمع الله بأذن كما هو شأن الإنسان ، ومن ثم حرف الكلام عن موضعه وكذب بالقرآن وهذا باطل لأن الله يسمع بالكيفية التي تناسب عظمته وهو الذي يعلم حقيقة سمعه وكيفيته ، قال الأَزهري : ( والعجب من قوم فسَّروا السميعَ بمعنى المسْمِع فِراراً من وصف اللَّه بأَن له سَمْعاً ، وقد ذكر اللَّه الفعل في غير موضع من كتابه فهو سَمِيع ذو سَمْعٍ بلا تكييفٍ ولا تشبيه بالسمع من خلقه ، ولا سَمْعُه كَسَمْعِ خلقه ، ونحن نصف اللَّه بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف ، ولست أُنكر في كلام العرب أن يكون السميع سامِعاً ويكون مُسْمِعاً ).
وقد روى أبو داود وصححه الألباني من حديث سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : ( سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا { إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : } سَمِيعًا بَصِيرًا { ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ : قَالَ الْمُقْرِئُ يَعْنِي : } إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ { يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ ).
ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم في فعله لا يعني أن سمع الله كسمعه أو بصره كبصره أو أن الظاهر في حق الله كالظاهر في حقة ، وإنما أراد صلى الله عليه و سلم أن يثبت لله السمع والبصر كوصف ذات له على ما يناسب كماله وجلاله ، قال إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : ( إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ يَدٌ كَيَدٍ أَوْ مِثْلُ يَدٍ أَوْ سَمْعٌ كَسَمْعٍ أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ ، فَإِذَا قَالَ سَمْعٌ كَسَمْعٍ أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ فَهَذَا التَّشْبِيهُ وَأَمَّا إِذَا قَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَدٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ وَلاَ يَقُولُ كَيْفَ وَلاَ يَقُولُ مِثْلُ سَمْعٍ وَلاَ كَسَمْعٍ فَهَذَا لاَ يَكُونُ تَشْبِيهًا وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : } ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {) .
أما السمع كوصف فعل لله فهو الذي يتعلق بمشيئة الله عز وجل ، أو على المعنى الخاص الذي فيه إجابة الدعاء والإسماع لمن يشاء ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه مرفوعا : ( وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ) (5) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأَرْبَعِ ) (6)، وكقوله تعالى : } وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ { [فاطر:22] .
لله جل جلاله البصير
البَصِيرٌ في اللغة من أبنية المبالغة ، فعيل بمعنى فاعل ، فعله بَصُرَ يُبصِرُ ، وبَصُرَ به بَصَراً وتَبَصَّرَهُ ، وأبصَر يُبصِرُ إبْصَارا قال تعالى : } فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ { [الأنعام:104] وتَبَاصَرَ القومُ أَبْصَرَ بعضهم بعضاً ، والبَصَرُ يقال للعَيْنُ إِلاَّ أَنه مذكر ، ويقال البَصَرُ أيضا لحِسُّ العَيٌّن والنظر ، أو القوة التي تبصر بها العين أو حاسة الرؤْية ، والجمع أَبْصارٌ ، والتَّبَصُّر التَّأَمُّل والتَّعَرُّفُ والتعريف والإِيضاح ، والبَصيرة الحجةُ والاستبصار في الشيء ، وهي اسم لما يعقد في القلب من الدين وتحقيق الأَمر ، وقيل : البَصيرة الفطنة ، ورجلٌ بَصِيرٌ بالعلم عالم به ، وبَصرُ القلب نَظَرهُ وخاطره
والبصير سبحانه هو المتصف بالبصر ، والبصر صفة من صفات ذاته تليق بجلاله يجب إثباتها لله دون تمثيل أو تكييف أو تعطيل أو تحريف ، فهو الذي يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة ويرى الأشياء كلها مهما خفيت أو ظهرت ومهما دقت أو عظمت ، وهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
وهو البصير الذي يمن على المؤمنين بكرمه وفضله وينعم عليهم بلقائه ورؤيته ، ولا يكلم الكافرين ولا ينظر إليهم بلطفه ورحمته ، فهم مخلدون في العذاب محبوبون عن رؤيته ، قال تعالى : } أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { [آل عمران:77] ، وقال : } كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ { [المطففين:15] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن النَّبِيِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ ).
لله جل جلاله المولى
والمَوْلَى في اللغة اسمٌ يقع على عدة معان ، فالمولى يطلق على الرَّب والمَالِك والسَّيْد والمُنْعم والمُعْتق والنَّاصِر والمُحِب والتَّابِع والجَار وابن العَمّ والحَلِيف والعَقِيد والصِّهْر والعَبْد والمُنْعم عليه ، والفرق بين الولي والمولى أن الولي هو من تولى أمرك وقام بتدبير حالك وحال غيرك وهذه من ولاية العموم ، وأما المولى فهو من تركن إليه وتعتمد عليه وتحتمي به عند الشدة والرخاء وفي السراء والضراء ، وهذه من ولاية الخصوص .
والمولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ويعتمد عليه المؤمنون في الشدة والرخاء والسراء والضراء ، ولذلك خص الولاية هنا بالمؤمنين ، قال تعالى : } ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ { [محمد:11] ، وقال : } وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ { [الأنفال:40] ، وقال : } قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ { [التوبة:51] .
والله عز وجل جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره والعمل في طاعته وحبه والسعي إلى مرضاته وقربه ، فمن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ).
لله جل جلاله النصير
والنصير في اللغة من النصرة ، نَصَرَهُ على عدوه ينصره نَصْراً ، والاسم النُّصْرَةُ والنَّصِيرُ ، وجمعه أَنْصَارٌ كشريف وأَشراف ، والنَّصِير فعيل بمعنى فاعِل أَو مفعول لأَن كل واحد من المتَناصِرَيْن ناصِر ومَنْصُور ، وقد نصَره ينصُره نصْراً إِذا أَعانه على عدُوّه وشَدَّ منه ، واسْتَنْصَرَهُ على عدوه سأله أن ينصره عليهم ، وتَنَاصَرَ القوم نصر بعضهم بعضا ، وانْتَصَرَ منه انتقم منه .
وعند البخاري من حديث أَنَسٍ رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ) وتفسيره أَن يمنَعه من الظلم إِن وجده ظالِماً ، وإِن كان مظلوماً أَعانه على ظالمه ) ، وعند النسائي وحسنه الألباني من حديث بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ عَمَلاً أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ).
والله عز وجل هو النصير الذي ينصر رسله وأتباعهم في الدنيا والآخرة ، كما قال سبحانه : } إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ { [غافر:51] ، وهو الذي ينصر المستضعفين ويرفع الظلم عن المظلومين كما قال : } أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير { [الحج:39] ، والذي يؤيد بنصره ما يشاء ولا غالب لمن نصره ولا ناصر لمن خذله، كما قال : } إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ { [آل عمران:160] ، وقال : } أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ { [الملك:20].
الله جل جلاله العَفُوُّ
سمى الله نفسه العفو على سبيل الإطلاق في قوله تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً ) [النساء:149] ، وقوله : ( فَأُولَئِكَ عَسَي اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) [النساء:99] وقوله : ( ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) [الحج:60] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو ؟ قَالَ : تَقُولِينَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ).
وعند أحمد وحسنه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : ( إِنَّ أَوَّلَ رَجُلٍ قُطِعَ فِي الإِسْلاَمِ أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ أُتِي بِهِ إلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا سَرَقَ ، فَكَأَنَّمَا أُسِفَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَاداً ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَي يَقُولُ مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : وَمَا يَمْنَعُنِي وَأَنْتُمْ أَعْوَانُ الشَّيْطَانِ عَلَي صَاحِبِكُمْ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَفْوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ ، وَلاَ يَنْبَغِي لِوَالِي أَمْرٍ أَنْ يُؤْتَي بِحَدٍّ إِلاَّ أَقَامَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).
الله جل جلاله القَدِيرُُ
ورد اسم الله القدير في القرآن والسنة ، قال تعالى : ( يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ ) [الروم:54] ، فالاسم ورد في الآية معرفا مطلقا مقترنا باسم الله العليم ، وهو الموضع الوحيد في القرآن الذي ورد معرفا بالألف واللام ، وقد ورد مطلقا منونا في ثلاثة مواضع ، منها قوله تعالى : ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [الممتحنة:7].
أما بقية المواضع في القرآن والتي تزيد على ثلاثين موضعا فقد ورد الاسم مقرونا بالعلو والفوقية المطلقة على كل شيء ، مما يزيد الإطلاق كمالا على كمال كما ذكرنا ذلك في ضوابط الإحصاء ، قال تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [آل عمران:26] ، وفي صحيح البخاري من حديث مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ).
الله جل جلاله اللَّطِيفُ
من النصوص القرآنية ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه في قوله تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك :14] ، وقوله سبحانه : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفا خَبِيرا ) [الأحزاب34] ، ولم يقترن اسم الله اللطيف إلا باسمه الخبير ، وورد الاسم مقيدا في قوله تعالى : ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) [يوسف:100] ، وكذلك قوله : ( اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [الشورى:19] ، وقد ورد الاسم في السنة في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللطِيفُ الْخَبِيرُ ).
الله جل جلاله الخَبِيرُ
اسم الله الخبير ورد في الكتاب والسنة على سبيل الإطلاق والإضافة مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه في نصوص كثيرة ، ففي القرآن ورد مطلقا معرفا مقترنا بثلاثة أسماء هي الحكيم كما في قوله تعالى: ( وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) [الأنعام:18] ، واللطيف كما في قوله سبحانه : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) [الأنعام:103] ، ومقترنا باسم الله العليم في قوله تعالى : ( فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ ) [التحريم:3] ، وورد الاسم مطلقا منونا في نصوص كثيرة منها قوله تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) [الأحزاب:34] ، وقد ورد الاسم في السنة عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللطِيفُ الْخَبِيرُ ).
الله جل جلاله العفو
العَفُوُّ في اللغة على وزن فَعُولٌ من العَفْوِ ، والعفو هو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقاب عليه ، وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس ، وهو من صيغ المُبالَغةِ ، يقال : عَفا يَعْفُو عَفْواً فهو عافٍ وعَفُوٌّ ، وكلُّ من اسْتَحقَّ عندك عُقُوبةً فتَرَكْتَها فقد عَفَوْتَ عنه (1)، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضى الله عنه قال : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ ؟ فَصَمَتَ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ فَصَمَتَ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ : ( اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً ) (2)، فالعفو هو ترك الشيء وإزالته ، وقوله تعالى : } عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِين َ{ [التوبة:43] أي مَحا اللَّهُ عنكَ هذا الأمر وغفر لك ، والعفو مأْخوذ من قولهم عَفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها .
والعفو يأتي أيضا على معني الكثرة والزيادة ، فعَفْوُ المالِ هو ما يَفْضُلُ عن النَّفَقة كما في قوله تعالى : } وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ { [البقرة:219] ، فالعَفْوُ الكثرة والفَضْلُ ، وقد أُمِرُوا أَن يُنْفِقوا الفَضْل في بداية الأمر إِلى أَن فُرِضَت الزكاةُ ، وعَفا القوم ُ: كَثُرُوا وعَفا النَّبتُ والشَّعَرُ وغيرُه يعني كثُرَ وطالَ ، ومنه الأَمَرَ بإِعْفاءِ اللِّحَى كما ورد عند البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أنْهَكُوا الشَّوَارِبَ ، وَأَعْفُوا اللِّحَى ) (3) ، ومعنى إعفاء اللحية أَن يُوفَّر شَعَرُها ويُكَثَّر ولا يُقَص َّ كالشَّوارِبِ من عَفا الشيءُ إِذا كَثُرَ وزاد ، وقوله تعالى : } خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ [الأعراف:199] ، العَفْو هنا هو الفَضْلُ الذي يجِيءُ بغيرِ كُلْفَةٍ ، والمعنى اقْبَلِ المَيْسُورَ مِنْ أَخْلاقِ الناسِ ولا تَسْتَقْصِ عليهم ، وقد أَمَرَ اللَّهُ نَبيَّه أَن يأْخُذ العَفْوَ من أَخْلاقِ الناسِ ، كما ورد عند البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضى الله عنه قَالَ : ( أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و سلم أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاسِ ) (4)، والعفو هو السَّهْل المُيَسَّر أَي أَمرَه أَن يَحْتَمِل أَخْلاقَهُم ويَقْبلَ منها ما سَهُل وتَيَسَّر ولا يسْتَقْصِيَ عليهم .
والله عفو يحب العفو ويصفَحُ عن الذنوبِ ويستر العيوب ، يعفو عن المُسيء كَرَمًا وإحسانًا ، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما حتى يزول اليأس من القلوب وترجوا مقلب القلوب ، قال القرطبي : ( العفو عفو الله جل وعز عن خلقه وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه فالعفو محو الذنب ).
الله جل جلاله القدير
القدير في اللغة من صيغ المبالغة لمن اتصف بالقدرة فعله قَدرَ يقَدر تقديراً ، قال ابن منظور : ( القادر والقَدِيرُ من صفات الله عز وجل يكونان من القُدْرَة ويكونان من التقدير ، وقوله تعالى : } إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [البقرة:148] من القُدْرة ، فالله عز وجل على كل شيء قدير ، والله سبحانه مُقَدِّرُ كُلِّ شيء وقاضيه ) (6)، قال ابن الأثير : ( في أسماء الله تعالى القادِرُ والمُقْتَدِرُ والقَدِيرُ ، فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ والقَدِير فعيل منه ، وهو للمبالغة ، والمقتدر مُفْتَعِلٌ من اقْتَدَرَ ، وهو أبلغ )
وقال الزجاج : ( القدير أبلغ في الوصف من القادر ، لأن القادر اسم الفاعل من قدر يقدر فهو قادر ، وقدير فعيل ، وفعيل من أبنية المبالغة ).
والقدير سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تنفيذ المقادير ويخلقها على ما جاء في سابق التقدير ؛ فمراتب القدر أربع مراتب العلم والكتابة والمشيئة والخلق ، والمقصود بهذه المراتب المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله في الأزل إلى الواقع المشهود ، وهذه المراحل تسمى عند السلف الصالح مراتب القدر ، فلا بد لصناعة الشيء من العلم والكتابة والمشيئة ومباشرة التصنيع والفعل ، وإذا كان المُصَنِّعَ الذي يشيد البنيان لا بد أن يبدأ مشروعه أولا بفكرة في الأذهان ومعلومات مدروسة بدقة وإتقان ، درسها جيدا وقام بتقدير حساباته وضبط أموره وإمكانياته ، ثم يقوم بكتابة هذه المعلومات ويخط لها في بضع ورقات أنواعا من الرسومات التي يمكن أن يخاطب من خلالها مختلف الجهات ، ثم يتوقف الأمر بعد ذلك على مشيئته أو إرادته في التنفيذ وتوقيت الفعل إن توفرت لديه القدرة والإمكانيات ، ثم يبدأ في التنفيذ إلى أن ينتهي البنيان كما قدر له في الأذهان ، فإذا كانت هذه مراحل تصنيع الأشياء بين المخلوقات بحكم العقل والفطرة ، فالله سبحانه وله المثل الأعلى منفرد بمراتب القضاء والقدر من باب أولى ، وهي عند السلف المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله في الأزل إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا ، وهي عندهم أربع مراتب تشمل كل صغيرة وكبيرة في الوجود .
فالقادر سبحانه هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، حيث قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، فالقادر يدل على التقدير في المرتبة الأولى ، أما القدير فيدل على القدرة وتنفيذ المقدر في المرتبة الرابعة ، فالقدير هو الذي يخلق وفق سابق التقدير ، والقدر من التقدير والقدرة معا ، فبدايته في التقدير ونهايته في القدرة وتحقيق المقدر ، ولذلك يقول تعالى : } وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً { [الأحزاب:38] ، فالقدير هو المتصف بالقدرة .
ويذكر ابن القيم أن القضاء والقدر منشؤه عن علم الرب وقدرته ، ولهذا قال الإمام أحمد : ( القدر قدرة الله ) ، واستحسن ابن عقيل هذا الكلام من الإمام أحمد غاية الاستحسان ، ولهذا كان المنكرون للقدر فرقتين : فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته وهم غلاتهم الذين كفرهم السلف والأئمة وتبرأ منهم الصحابة ، وفرقة جحدت كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العبادة مقدورة لله تعالى ، وصرحت بأن الله لا يقدر عليها ، فأنكر هؤلاء كمال قدرة الرب وتوحيده في اسمه القدير وأنكرت الأخرى كمال علمه وتوحيده في اسمه القادر .
الله جل جلاله اللطيف
اللطيف في اللغة اسم الفاعل من لطف فهو لطيف ، فعله لطف يلطف لطفا ولطافة ، ولطف الشيء رقته واستحسانه وخفته على النفس ، أو لطف الشيء احتجابه وخفاؤه ، وعند البخاري من حديث عائشة حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا قالت : ( وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم اللُّطْفَ الذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ ) ، فاللطف الرقة والحنان والرفق.
واللطيف في أسماء الله تعالى هو الذي اجْتَمع له العِلْمُ بدَقَائق المصَالح وإيصَالها إلى مَن قدّرها له مِن خَلْقه ، والرّفْق في الفِعْل والتنفيذ ، يُقال لَطَف به وله ، فقوله : } اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ { لطف بهم ، وقال : } إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ { لطف لهم ، والله لطيف بعباده رفيق بهم قريبٌ منهم ، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان ، ويدعو المخالفين مهما بلغ بهم العصيان إلى التوبة والغفران ، فالله لطيف بعباده يعلم دقائق أحوالهم لا يخفى عليه شيء مما في صدورهم ، كما قال سبحانه : } أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ { [الملك :14] ، وقال لقمان لابنه وهو يعظه : } يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ { [لقمان16] ، واللطيف هو الذي ييسر للعباد أمورهم ويستجيب دعائهم فهو المحسن إليهم في خفاء وستر من حيث لا يعلمون ، نعمه سابغة ظاهرة لا ينكرها إلا الجاحدون ، وهو الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون : } أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{ [الحج63] ، وقال : } اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ { [الشورى19] ، كما أنه يحاسب المؤمنين حسابا يسيرا بفضله ورحمته أو يحاسب غيرهم من المخالفين وفق عدله وحكمته .
ومن المعاني اللغوية للطيف هو الذي لطف عن أن يدرك كما في قوله : } فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَي طَعَاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدا { [الكهف19] ، وهي أيضا من المعاني التي يشملها اسمه اللطيف فقد دل على لطف الحجاب لكمال الله وجلاله ، فإن الله لا يرى في الدنيا لطفا وحكمة ويرى في الآخرة إكراما ومحبة ، وإن لم يدرك بإحاطة من قبل خلقه ، ولو رآه الناس في الدنيا جهارا لبطلت الحكمة وتعطلت معاني العدل والرحمة ، ولذلك فإن الله تعالى قال عن رؤية الناس له في الدنيا : } وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ { ، وقال سبحانه : } لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ { وعند مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم : ( تَعَلمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَل حَتَّى يَمُوتَ ) ، لأن الدنيا خلقت للابتلاء ، أما الآخرة فهي دار الحساب الجزاء حيث يكشف فيها الغطاء ويرفع فيها الحجاب ويلطف الله بالموحدين عند الحساب ، وقد بين الله في الكتاب ما فيه عبرة للغافلين وذوي الألباب : } لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ { [قّ:22] ، وفي شأن الموحدين قال تعالى عن لطفه وإكرامه وإحسانه وإنعامه : } وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {.
الله جل جلاله الخبير
الخبير في اللغة من مباني المبالغة ، فعله خَبَرَ يَخْبُر خُبْراً وخُبْرَةً وخِبْراً ، وخَبُرْتُ بالأَمر أَي علمته ، وخبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ إِذا عرفته على حقيقته ، وعند مسلم من حديث أبي موسى رضى الله عنه أنه قال لعائشة رضي الله عنها : ( فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ؟ قَالَتْ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ) ، تعني : سألت من يعلم الجواب بتمامه فالخَبِيرُ الذي يَخْبُرُ الشيء بعلمه.
والخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة ، فالخبير بالشيء من عَلِمَه وقام بمعالجته وبيانه وتجربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألم بكيفية وصفه على الحقيقة.
والخبير في أسماء الله هو العَالِم بما كَان وما هو كائن وما سيكون وما لو كان كيف يكون ، وليس ذلك إلا لله ، فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا تتحرك حركة إلا بعلمه ، قدر أمورها ويعلم مستقرها ومستودعها على مراتب العلم ، والله عز وجل خبير يعلم الأشياء قبل إخبار الملائكة عنها وبعد الإخبار عنها فله جنود السماوات والأرض يخبرونه بالوقائع لتحقيق الحكمة في الخلق ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) ، فسؤاله ليس طلبا للعلم فهو السميع البصير ولكن لإظهار شرف المؤمن عند اللطيف الخبير ، وبيان فضله بين ملائكته وحملة عرشه ، قال ابن حجر رحمه الله : ( قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم ، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة : } أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ { [البقرة:30] ، أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم ).
الله جل جلاله الوِتْرُ
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنِه صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا ، مِائَةٌ إِلاَّ وَاحِدًا ، لاَ يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَهْوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ ) ، فقد ورد الاسم مطلقا منونا مرادا به العلمية ودالا على الوترية وكمال الوصفية ، وقد ورد المعنى في قوله : يحب الوتر محمولا على الاسم مسندا إليه ، وورد أيضا عند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعا : ( وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ) ، وعند أبي داود والترمذي وابن ماجة والنَسائي وصححه الألباني من حديث عَلِي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ : أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ : ( يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ).
الله جل جلاله الجَمِيلُ
ورد الاسم في صحيح مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) ، والحديث ورد الاسم فيه مطلقا منونا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، وورد في رواية أحمد في مسند ابن مسعود رضي الله عنه : ( فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلاً وَرَأْسِي دَهِيناً وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيداً وَذَكَرَ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ عِلاَقَةَ سَوْطِهِ ، أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لاَ ، ذَاكَ الْجَمَالُ ، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ ).
الله جل جلاله الحَيِيُّ
لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث يَعْلَى بن أمية رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ).
والاسم ورد مطلقا منونا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وفي سنن أبى داود وصححه الألباني من حديث سَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ).
الله جل جلاله السِّتيرُ
ورد الاسم في السنة مقرونا باسم الله الحيي ، وقد اشتهر اسم الستار بين الناس بدلا من الستير وهو خطأ لأنه لم يرد في القرآن أو السنة ، أما الستير فقد ورد مطلقا منونا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في الحديث الذي دل على اسمه الحيي ، وعند النسائي وصححه الألباني : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ) ، وفي سنن البيهقي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلاَهُ عَنْ الاِسْتِئْذَانِ فِي الثَّلاَثِ عَوْرَاتٍ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا في الْقُرْآنِ ، فَقَالَ لَهُمُ : إِنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ … الحديث ).
الله جل جلاله الوتر
والوِتْرُ في اللغة هو الفَرْدُ أَو ما لم يَتَشَفَّعْ من العَدَدِ ، و التواتر التتابع وقيل هو تتابع الأشياء وبينها فجوات وفترات ، وتواترت الإبل والقطا وكل شيء إذا جاء بعضه في إثر بعض ولم تجىء مصطفة .
وقوله تعالى : } وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ { [الفجر:3] ، قيل : الوتر آدم عليه السلام والشَّفْع أنه شُفِعَ بزوجته ، وقيل : الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة ، وقيل : الأَعداد كلها شفع ووتر كثرت أَو قلّت ، وقيل : الوتر هو الله الواحد والشفع جميع الخلق خلقوا أَزواجاً وكان القوم وتِراً فَشَفَعْتهم وكانوا شَفْعاً فَوَتَرْتهم ، وعند البخاري من حديث ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنه أن رجلا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ ؟ قَالَ : ( مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى ) ، وعند الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَثِرْ وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ ) أي اجعل الحجارة التي تستنجي بها فرداً استنج بثلاثة أَحجار أَو خمسة أَو سبعة ولا تستنج بالشفع .
والله تعالى وتر انفرد عن خلقه فجعلهم شفعا ، وقد خلق الله المخلوقات بحيث لا تعتدل ولا تستقر إلا بالزوجية ولا تهنأ على الفردية والأحدية ، يقول تعالى : } وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { [الذاريات:49] ، فالرجل لا يهنأ إلا بزوجته ولا يشعر بالسعادة إلا مع أسرته والتوافق بين محبتهم ومحبته ، فيراعى في قراره ضروريات أولاده وزوجته ، ولا يمكن أن تستمر الحياة التي قدرها الله على خلقه بغير الزوجية حتى في تكوين أدق المواد الطبيعية ، فالمادة تتكون من مجموعة من العناصر والمرَكَّبات وكل عنصر مكون من مجموعة من الجزيئات ، وكل جزيء مكون من مجموعة من الذرات ، وكل ذرة لها نظام في تركيبها تتزاوج فيه مع أخواتها ، سواء كانت الذرةُ سالبةً أو موجبةً ، فالعناصر في حقيقتها عبارة عن أخوات من الذرات متزاوجات متفاهمات متكاتفات ومتماسكات ، ومن المعلوم أنه لا يتكون جزئُ الماء إلا إذا اتحدت ذرتان من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأكسجين ، فالذرات متزاوجة سالبها يرتبط بموجبها ولا تهدأ ولا تستقر إلا بالتزاوج من بعضها البعض ، فهذه بناية الخلق بتقدير الحق بنيت على الزوجية والشفع ، أما ربنا عز وجل فذاته صمدية وصفاته فردية ، فهو المنفرد بالأحدية والوترية ، وقد ثبت في السنة النبوية : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ).
وقد قيل أيضا في معنى الشفع والوتر أن الشفع تنوع أوصاف العباد بين عز وذل وعجز وقدرة وضعف وقوة وعلم وجهل وموت وحياة ، والوتر انفراد صفات الله عز وجل فهو العزيز بلا ذل ، والقدير بلا عجز ، والقوي بلا ضعف ، والعليم بلا جهل ، وهو الحي الذي لا يموت ، القيوم الذي لا ينام ، ومن أساسيات التوحيد والوترية أن تفرد الله عمن سواه في ذات الله وصفاته وأفعاله.
الله جل جلاله الجميل
الجميل في اللغة من الجمال هو الحسن في الخلقة والخلق ، جمل فهو جميل ككرم فهو كريم ، وتجمل تزين ، وجمله تجميلا زينه ، وأجمل الصنيعة عند فلان يعني أحسن إليه ، والمجاملة هي المعاملة بالجميل ، والتجمل تكلف الجميل ، وقد جمل الرجل جمالا فهو جميل والمرأة جميلة ، وقال الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ :
وَإِذَا جَمِيلُ الْوَجْهِ لَمْ يَأْتِ الْجَمِيلَ فَمَا جَمَالُهُ مَا خَيْرُ أَخْلاَقِ الْفَتَى إِلاَّ تُقَاهُ وَاحْتِمَالُهُ
والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه ولا جزع فيه قال تعالى : } فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً {[المعارج:5] ، وقال : } فَصَبْرٌ جَمِيلٌ {[يوسف:18] ، وقوله : }فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ {[الحجر: 85 ] ، أي أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه.
والله عز وجل هو الجميل ، جماله سبحانه على أربع مراتب جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال وجمال الأسماء فأسماؤه كلها حسنى ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة ، وعدل ورحمة ، وأما جمال الذات وكيفية ما هو عليه ، فأمر لا يدركه سواه ، ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده ، وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى رضى الله عنهمرفوعا : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) ، قال عبد الله بن عباس رضى الله عنه : ( حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال ).
ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته ، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات ثم استبدل بجمال الصفات على جمال الذات ومن ههنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله وأن أحدا من خلقه لا يحصي ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه .
الله جل جلاله الحيي
الحيي في اللغة هو المتصف بالحياء ، يقال : حَيِيَ منه حياء واستحيا منه واستحى منه ، وهو حَيِيُّ ذو حياء كغني ذو غنى ، والحياء صفة خلقية رقيقة وسجية لطيفة دقيقة تمنع النفس من تجاوز أحكام العرف أو من تجاوز أحكام الشرع ؛ وأحكام العرف يقصد بها كل ما تعرفه النفوس وتستحسنه العقول من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وهي التي كانت ولم تزل مستحسنة في كل زمان ومكان ، وعند البخاري من حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ).
والمقصود أن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء وأنه لم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم ، وعند البخاري من حديث أبي سفيان رضى الله عنه وهو بين يدي هرقل أنه قال لِتَرْجُمَانِهِ : ( قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ ، فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يؤثروا عَليَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إِنَّ موسى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ) ، والله عز وجل قال : } فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا {[القصص:25] ، فالحياء صفة أخلاقية وسجية نفسية تراعي مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي كلها خير .
أما حياء الشرع فهو الحياء الذي يحفظ به العبد حدود الله ومحارمه ، وربما يتطلب ذلك ورعا واتقاء للشبهة مما يحيف على الحيي بعض الشيء ، وقد روى البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ ، وفي رواية أخرى : مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعَاتَبُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِى حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضَرَّ بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : ( دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ ) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ) ، إنَّما جَعَل الحَياء وهو أمر غَريزي شُعْبة من الإيمان وهو أمر كسبي لأنَّ المُسْتحي يَنْقَطِع بالحَياء عن المَعاصي فصار كالإيمان الذي يقطع عنها ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ ).
والله عز وجل حيي لأنه الذي تكفل بعباده وبأرزاقهم فليس لهم أحد سواه فهو الذي يقبل توبتهم ويوفق محسنهم ويسمع دعاءهم ولا يخيب رجاءهم ، وحياء الرب تعالى لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال .
وعند أبى داود وصححه الشيخ الألباني من حديث سَلْمَان الفارسي رضى الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) ، والحياء وصف كمال لله لا يعارض الحكمة ولا يعارض بيان الحق والحجة ، كما قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ {[البقرة:26].
الله جل جلاله الستير
الستير في اللغة من الستر يقال ستر الشيء يَسْتُرُه يَسْتِرُه سَتراً أَخفاه ، والسَّتيْرَ على وزن فَعِيل من صيغ المبالغة هو الذي من شأْنه حب الستر والصَّوْن والحياء ، والسِّتْرُ جمعه سُتُورٌ وأسْتارٌ ، والسُّتْرةُ ما يُستر به كائنا ما كان ، وكذا السِّتَارةُ والجمع السَّتَائِرُ وسَتَر الشيء غطاه وتَسَتَّر أي تغطى ، وجارية مُستَّرةٌ يعني مستورة في خدرها وقوله تعالى : } وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً {[الإسراء:45] ، أي حجابا على حجاب فالأول مستور بالثاني أراد بذلك كثافة الحجاب لأنه جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا.
والستر يأتي أيضا بمعنى المنع كما ورد عن البخاري من حديث عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِي صلى الله عليه و سلم حَدَّثَتْهُ قَالَتْ : ( جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِي صلى الله عليه و سلم فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ : مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) ، وعند البخاري من حديث سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضى الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قال : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ).
والله عز وجل ستير يحب الستر ويبغض القبائح ، ويأمر بستر العورات ويبغض الفضائح ، يستر العيوب على عباده وإن كانوا بها مجاهرين ، ويغفر الذنوب مهما عظمت طالما أن عبده من الموحدين ، وهو الذي لا يستر على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة ، روى البخاري من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضى الله عنهقال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) ، وعند البخاري من حديث ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ، وروى مسلم من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضى الله عنهأن النبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( لاَ يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
الله جل جلاله الكَبِيرُ
ورد اسم الله الكبير مقترنا باسمه المتعال في قوله تعالى : ( عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ ) [الرعد:9] ، ومقترنا بالعلي في عدة مواضع منها قوله : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ ) [لقمان:30] ، وفي هذه المواضع ورد مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد في السنة عند البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ ، قَالُوا لِلذِي قَالَ : الحَقَّ وَهْوَ العَلِىُّ الكَبِيرُ ).
الله جل جلاله المُتَعَالُ
ورد اسم الله المتعال في القرآن في موضع واحد على سبيل الإطلاق معرفا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، قال تعالى : ( عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ ) [الرعد:9] ، وفي السنة عند أحمد بسند صحيح من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أنه قَالَ : ( قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ : ( وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) قَالَ صلى الله عليه وسلم : ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا الجَبَّارُ أَنَا المُتَكَبِّرُ ، أَنَا المَلِكُ أَنَا المُتَعَالِ ، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ ، قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ المِنْبَرُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ )
الله جل جلاله الوَاحِد
ورد الاسم معرفا بالألف واللام مطلقا ومنونا ، وكذلك ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه كما في قوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّار ) [إبراهيم:48] ، وقوله سبحانه : ( قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ُ{ [الرعد:16] ، ودائما ما يقترن اسم الله الواحد باسمه القهار لأن علو القهر من لوازم الوحدانية ، كما قال سبحانه وتعالى : ( لوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّار ُ{ [الزمر:4] ، والاسم في هذه المواضع وغيرها مراد به العلمية ودال على كمال الوصفية ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث حَنْظَلَةُ بْن عَلِيٍّ أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الأَدْرَعِ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسْجِدَ إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً (3)، وروى البخاري من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ (4)، وعند مسلم وأحمد من حديث عَائِشَة رضي الله عنها أنها قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِذَا بُدِّلَتِ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : عَلَى الصِّرَاطِ .
الله جل جلاله القَهَّارُ
سمى الله نفسه القهار على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على الوصفية في كثير من النصوص القرآنية ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه كما في قول الله تعالى : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) [يوسف:39] وقوله : ( قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) [الرعد:16] ، وفي السنة تقدم في الاسم السابق حديث عَائِشَة رضي الله عنها عند مسلم ، وورد أيضا في الجامع الصغير وصححه الشيخ الألباني من حديثها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تضور من الليل قال : ( لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ).
الله جل جلاله الكَبِيرُ
الكبير في اللغة من صيغ المبالغة فعله كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير والكبر نقيض الصغر كبر بالضم يكبر أي عظم ، والكبير والصغير من الأسماء المتضايقة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض فالشيء قد يكون صغيرا في جنب شيء وكبيرا في جنب غيره ، ويستعملان في الكمية المتصلة كالكثير والقليل والمنفصلة كالعدد ، ويكون الكبر في اتساع الذات وعظمة الصافات نحو قوله تعالى : } فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ {[الأنبياء:58] ، وقوله سبحانه : } فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {[الفرقان:52] ، وأيضا في التعالي بالمنزلة والرفعة كقوله : } وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا {[الأنعام:123]
والكبير سبحانه هو العظيم في كل شيء عظمة مطلقة ، وهو الذي كبر وعلا في ذاته ، قال تعالى : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ {[البقرة:255] ، وروي عن عبد الله بن عباس رضى الله عنه أنه قال : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) ، وهو الكبير في أوصافه فلا سمي له ولا مثيل ، ولا شبيه ولا نظير قال تعالى : } هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً {[مريم:65] ، وهو الكبير في أفعاله فعظمة الخلق تشهد بكماله وجلاله ، قال تعالى : } لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {[غافر:57] ، وهو سبحانه المتصف بالكبرياء ومن نازعه في ذلك قسمه وعذبه وفي صحيح مسلم من حديث َأَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنهأن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قال : ( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ) ، فهو سبحانه المنفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن كل من سواه ، فله علو الذات وعلو القهر وعلو الشأن .
المتعال
المتعالي اسم فاعل من تعالى ، والتَّعالي هو الارْتِفاعُ ، قال الأَزهري : ( تقول العرب في النداء للرجل تَعالَ بفتح اللام ، وللاثنين تَعالَيا ، وللرجال تَعالَوْا ، وللمرأَة تَعالَي ، وللنساء تَعَالَيْنَ ، ولا يُبالُونَ أَين يكون المدعوّ في مكان أَعْلى من مكان الداعي أَو مكان دونه ) ، والمتعالي فعله تعالى يتعالى فهو متعال ، وهو أبلغ من الفعل علا ، لأن الألفاظ لما كانت أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت زيادة المعنى فزيادة المبنى دليل على زيادة المعنى
والمُتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ ، وأغلب المفسرين جعلوا الاسم دالا على علو القهر ، وهو أحد معاني العلو ، فالمتعالي هو المستعلي على كل شيء بقدرته ، قال ابن كثير : ( المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ) ، وقال في موضع آخر : ( وهو الكبير المتعال فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه )
فالمتعالي سبحانه هو الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته فلا غالب له ولا منازع بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى : } وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ {[الأنعام:18] ، وقد جمع الله في هذه الآية بين علو الذات وعلو القهر ، وكذلك قوله تعالى: } وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً {[الأنعام:61] ، فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء وخضع لجلاله كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء.
الواحد
الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد ، لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين
والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه ، الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا ، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ولا شيء قبله ، مازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على الغنى بالنفس وكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر )
روى البخاري من حديث عمران رضى الله عنه أنه قال : ( إنِّي عندَ النبيِّ صلى الله عليه و سلم إذ جاءهُ قومٌ من بني تميم ، فقال : اقبَلوا البُشرى يا بنِي تميم ، قالوا : بشَّرْتنا فأعطِنا ، فدخلَ ناسٌ من أهل اليمن فقال : اقبلوا البُشرَى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قبلنا جئناك لنتفقه في الدِّين ، ولنسألك عن أولِ هذا الأمر ما كان ؟ قال : كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ وكان عرشه على الماء ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء )
وقال تعالى : } مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً {[الكهف:51] ، فهو وحده الذي خلق الخلق بلا معين ولا ظهير ولا وزير ولا مشير ، ولذلك فإنه وحده المنفرد بالملك وليس لأحد في ملكه شرك كما قال تعالى : } قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ {[سبأ:22] ، فقيام الخلق وبقاء السماوات والأرض قائم على وحدانية الإله ، وانفراده بأوصاف الجلال وكمال الأفعال كما قال تعالى : } إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً {[فاطر:41] ، وقال أيضا : } وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ {[الحج:65] .
القهار
القهار صيغة مبالغة من اسم فاعل القاهر ، والفرق بين القاهر والقهار أن القاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات على اختلاف تنوعهم ، فهو قاهر فوق عباده ، له علو القهر مقترنا بعلو الشأن والفوقية ، فلا يقوى ملك من الملوك على أن ينازعه في علوه مهما بلغ في سلطانه وظلمه ، وإلا قهره الله باسمه القهار ، ومعلوم أن المقهور يحتمي من ملك بملك ، ويخرج بخوفه من سلطان أحدهما ليتقوى بالآخر ، لكن الملوك جميعا إذا كان فوقهم ملك قاهر قادر فإلى من يخرجون وإلى جوار من يلجئون ، قال تعالى : } قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {[المؤمنون:88] ، وعند البخاري من حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضى الله عنه أن النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ) ، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ، فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق .
أما القهار فهو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء ، أو باعتبار نوعية المقهور ، فالله عز وجل أهلك قوم نوح وقهرهم وقهر قوم هود ، وقهر فرعون وهامان والنمرود ، قال تعالى : } وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى {[النجم:56:50] وقهر قوم صالح وقوم لوط ، وقهر أبا جهل والمشركين وقهر الفرس والصليبيين.
والله قهار لكل متكبر جبار ، والأرض فيها المتكبرون وما أكثرهم وفيها المتجبرون المجرمون وما أظلمهم ، والمستضعفون المظلومون كثيرون وعاجزون يفتقرون إلى معين قهار وملك قادر جبار ، فالواحد القهار هو ملجأهم وهو بالمرصاد كما قال : } أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {[الفجر:6/13] ، فالقهاركثير القهر ، وقهره عظيم ، يقهر من نازعه على توحيد ألوهيته وعبادته وربوبيته وحاكميته وأسمائه وصفاته .
الله جل جلاله الحَقُّ
اسم الله الحق ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، كما جاء في قوله تعالى : ( فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ) [المؤمنون:116] ، وقوله : ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ أَلا لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ ) [الأنعام:62] ، وقوله : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ٌ{[الحج:6] ، وفي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ مِنْ جَوْفِ الليْلِ : ( أَنْتَ الحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ .. الحديث ).
الله جل جلاله المُبِينُ
اسم الله المبين ورد في القرآن مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، كما في قوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ) [النور:25] ، ولم يذكر الاسم إلا في هذه الآية فقط ، ولم يرد في حديث صحيح ، لكن الآية دليل صريح على أن الله سمى نفس به ، وقد ورد هذا الاسم في أعقاب اتهام المنافقين لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك فأظهر الله براءتها وأبان للمسلمين طهارتها ومكانتها .
الله جل جلاله القَوِيُِّ
سمى الله نفسه القوي على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها في كثير من النصوص القرآنية ، وقد ورد معرفا بالألف واللام مقترنا باسم الله العزيز في موضعين ، قال تعالى : ( اللهُ لطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [الشورى:19] وقال : ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [هود:66].
وورد منونا في خمسة مواضع منها قوله تعالى : ( كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [المجادلة:21] ، وقوله : ( مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عَزِيز ٌ{[الحج:74]، وفي مسند الإمام أحمد وحسنه الألباني من حديث عَائِشَة رضي الله عنها أنها قَالتْ عن يوم الخندق : ( وَبَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَل الرِّيحَ عَلى الْمُشْرِكِينَ ، فَكَفَى اللهُ عَزَّ وَجَل الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) .
الله جل جلاله المَتِينُ
سمى الله نفسه المتين على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها في آية واحدة من القرآن ، فقد ورد معرفا بالألف واللام في قوله : ( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات:58] ، وفي سنن أبى داود وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه أنه قَال : ( أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )
الله جل جلاله الحَيُّ
اسم الله الحي تحققت فيه شروط الإحصاء ، فقد ورد مطلقا معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، قال تعالى : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ً{[الفرقان:58] ، وقال : ( هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [غافر:65] ، ولم يقترن الحي إلا باسمه القيوم لأن جميع الأسماء الحسنى تدل عليهما باللزوم ، قال تعالى : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) [البقرة:255] ، وسوف يأتي في الجزء الخاص بدلالة الأسماء على الصفات بيان ذلك وشرح العلة في كونهما الاسم الأعظم .
وعند مسلم من حديث أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سأله : ( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَتَدْرِى أي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ قُلْتُ : اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ ، قَالَ : فَضَرَبَ فِي صدري ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ).
وفي سنن أبي داود وحسنه الألباني منْ حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) ، وَفَاتِحَةُ آلِ عِمْرَانَ : ( ألم اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ ) .
الله جل جلاله القَيُّومُ
ورد الاسم مقترنا باسم الله الحي كما في الآيات السابقة وأيضا في قوله تعالى : ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْما ً{[طه:111] ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَنَسِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى).
كذلك لأنها وردت مضافة مقيدة ، وورد الإطلاق في القيام فقط لكن في قراءة شاذة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الله جل جلاله الحَقُّ
الحق في اللغة اسم فاعل ، فعله حَقَّ يَحِقُّ حقا يقال : حققت الشيء أحقه حقا إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة ، والحق بمعنى المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال ، وكذلك العدل خلاف الباطل والظلم ، والحق يقال للاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه في الحقيقة ، كقولك : اعتقد أن البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق ، والحق له استعمالات كثيرة في القرآن ، منها الإسلام والعدل والحكمة والصدق والوحي والقرآن والحقيقة ، ومنها أيضا الحساب والجزاء كقوله : } يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ {[النور:25]
والحق اسم لله سبحانه هو المتصف بالوجود الدائم والقيومية والبقاء فلا يلحقه زوال أو فناء ، وكل أوصاف الحق كاملة جامعة للكمال والجمال والعظمة والجلال قال تعالى : } ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ {[الحج:62] ، وكقوله : } ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {[الحج:6] ، والحق سبحانه هو الذي يحق الحق بكلماته ويقول الحق وإذا وعد فوعده الحق ، ودينه حق ، وكتابه حق ، وما أخبر عنه حق ، وما أمر به حق كما قال تعالى : } وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ {[يونس:82] ، وقال سبحانه : } وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ {[الأنعام:73] ، وقال : } يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ {[النور:25]
المبين
المبيناسم فاعل من الفعل بان أوأبان ، وأصل البَينُ التميز والظهور والبُعْد والانفصال ، يقال : بانَ الحقُّ يَبينُ بَياناً فهو بائنٌ ، أو أَبانَ يُبينُ إِبانة فهو مُبينٌ ، فمن الأول تَبَايَنَ الرجُلانِ أي بانَ كلُّ واحد منهما عن صاحبه وكذلك في الشركة إِذا انفصلا وبانَت المرأَةُ عن زوجها وهي بائنٌ يعني انفصلت عنه بتَطْليقةٌ بائنة والبائن أيضا بمعنى الظاهر المبين الواضح كما في قوله تعالى : } فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ {[الأعراف:107] ، وقوله : } فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ {[الدخان:10].
ومن الثاني أبان القول بيانا يعني أظهره بفصاحة ، والبَيانُ الفصاحة واللَّسَن وكلامٌ بَيِّن فَصيح ، والبَيان الإِفصاح مع ذكاء ، والبَيِّن من الرجال السَّمْح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرتَج ، وفلانٌ أَبْيَن من فلان أَي أَفصح منه وأَوضح كلاماً ، وعند البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنه أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلاَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا ، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا ، فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : ( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا ، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ ) ، فالبَيان إِظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ
والمبين هو المنفرد بوصفه المباين لخلقة الظاهر فوق كل شيء ، له مطلق العلو والفوقية وليس كما قالت الجهمية أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه بائن من خلقه ، ليس في خلقه شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، وهو المبين الغني عن العالمين ، وقد ذكر ابن تيمية أن الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر أئمة الدين اتفقوا على أن قوله تعالى : } وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {[الحديد:4] ، ليس معناه أنه مختلط بالمخلوقات وحال فيها ، ولا أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه وتعالى على عرشه ومع كل شيء بعلمه وقدرته فالله سبحانه مع العبد أينما كان ، يسمع كلامه ويرى أفعاله ويعلم سره ونجواه رقيب على خلقه مهيمن عليهم ، وقال ابن منده : ( فهو سبحانه وتعالى موصوف غير مجهول وموجود غير مدرك ، ومرئي غير محاط به ، لقربه كأنك تراه ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى ، وعلى العرش استوى ، فالقلوب تعرفه ، والعقول لا تكيفه وهو بكل شيء محيط )
والمبين سبحانه هو الذي أبان لكل مخلوق علة وجوده وغايته ، وأبان لهم طلاقة قدرته مع بالغ حكمته ، وأبان لهم الأدلة القاطعة على وحدانيته ، وأبان لهم دينهم بأحكام شريعته ، ولا يعذب أحدا من خلقه إلا بعد بيان حجته ، قال تعالى : } وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى {[طه:134] ، وقد خاطب المبين عباده بكل أنواع البيان ، وأقام حجته بكل أنواع البرهان ، قال تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ {[الحج:5] ، وقال سبحانه : } وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم {[إبراهيم:4] ، قال البيهقي : ( المبين له معان منها أنه بين لذوي العقول ، ومنها أن الفضل يقع به ، ومنها أن التحقيق والتمييز إليه ومنها أن الهداية به ).
القوي
القوي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالقوة ، وقد قَوِيَ وتَقَوَّى فهو قَويّ يقال : وقَوَّى الله ضعفَك أَي أَبدَلَك مكان الضعف قُوَّة ، فالقُوَّةُ نقيض الضعف والوهن والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي والقدرة على الفعل وعدم العجز عنه عن القيام به ، قال تعالى لموسى عليه السلام عن التوراة والأَلواح : } فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا {[الأعراف:145] ، أَي خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك ، وقال ليحي عليه السلام : } يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ {[مريم:12] ، أَي بِجِدّ وعَوْن من الله تعالى .
والقوي في أسماء الله معناه أنه الموصوف بالقوة ، وصاحب القدرة المطلقة ، لا يغلبه غالب ولا يرد قضاءه راد ، ولا يمنعه مانع ولا يدفعه دافع ، وهو القوي في بطشه القادر على إتمام فعله ، له مطلق المشيئة والأمر في مملكته ، والقوي سبحانه قوي في ذاته لا يعتريه ضعف أو قصور ، قيوم لا يتأثر بوهن أو فتور ، ينصر من نصره كما قال : } وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {[الحج:40]، وكتب الغلبة لنفسه ورسله فقال سبحانه : } كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {[المجادلة:21] ، فالقوي اسمه والقوة المطلقة صفته ، قال تعالى : } مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {[الحج:74].
المتين
المتين في اللغة هو الشيء الثابت في قوته ، الشديد في عزمه وتماسكه ، والواسع في كماله وعظمته ، متن يمتن متانة أي قوي مع صلابة واشتداد ، ويلحق بهذا المتون الثبات والامتداد ، فيكون المتين بمعنى الواسع ، قال ابن منظور : ( المَتْنُ من كل شيء ما صَلُبَ ظَهْرُه والجمع مُتُون )
والله متين في ذاته قوي شديد وواسع كبير محيط ، فلا تنقطع قوته ولا يلحقه كلل في قدرته ، فالمتين هو القوي الشديد الذي لا يلحقه في أَفعاله مشقةٌ ولا كُلْفة ولا تعَبٌ (10)، قال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {[الذريات:58] ، فالله عز وجل من حيث إنه بالغ القدرة تامُّها قَوِيّ ، ومن حيث إنه شديد القُوَّة متِينٌ
وقال تعالى : } وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {[القلم:45] ، الكيد على إطلاقه هو التدبير في الخفاء بقصد الإساءة أو الابتلاء أو المعاقبة والجزاء ، وقد يكون عيبا مذموما إذا كان بالسوء عند الابتداء ، وقد يكون محمودا مرغوبا إذا كان مقابلا لكيد الكافرين والسفهاء ، فإذا كان الكيد عند الإطلاق كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تخصيص ، كقول القائل : الكيد صفة الله ، فهذا باطل لأن الإطلاق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال ، لكن يصح قول القائل : كيد الله للابتلاء والمعاقبة والجزاء ، فهذا كيد مقيد لا يحتمل إلا الكمال فجاز أن يتصف به رب العزة والجلال كما أثبت ذلك لنفسه فقال : } إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً {[الطارق:16] ، وقال : } وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {[الأعراف:183](12) ، فوصف الله كيده للكافرين بأنه كيد شديد قوي متين ، لا يمكن لأحد منهم رده أو صده ، والله غالب على أمره كتب الغلبة لنفسه ورسله.
القيوم
القيوم في اللغة صيغة من صيغ المبالغة ، فعله قام يَقُومُ قَوْماً وقِياماً ، ويأتي الفعل على معنيين الأول القيام بالذات والبقاء على الوصف ، والثاني إقامة الغير والإبقاء عليه لأن غيره مفتقر إليه ، فالأول من صفة الذات والثاني من صفة الفعل ، وعلى هذين المعنيين دارت عبارات اللغويين ، فالقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره ، الباقي أزلا وأبدا ، أو القائم بتدبير أُمور الخلق وتدبير العالم بجميع أَحواله ، فهو القائم بأَمر خلقه في إِنشائهموتولي أرزاقهم وتحديد آجالهم وأَعمالهم وهو العليم بمُسْتَقَرِّهم ومستودعهم وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يْتَصوَّر وجود شيء ولا دوام وجوده إِلا بقيوميته وإقامته له.
فالقيوم هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه ، والباقي بكماله ووصفه على الدوام دون تغيير أو تأثير ، فقد يكون الحي سميعا لكن يتأثر سمعه مع مرور الوقت ، فيفتقر إلى وسيلة إضافية للسماع ، يضع سماعة أو آلة يستعين بها لإكمال سمعه فيلزم لاتصافه بكمال السمع أن يكون قيوما في سمعه له البقاء والكمال فيه على الدوام ، وقد يكون الحي بصيرا لكن بصره يتأثر مع مرور الوقت فيفتقر إلى وسيلة إضافية للإبصار ، فيضع زجاجة أو نظارة يستعين بها ، فيلزم لاتصافه بكمال البصر والإبصار أن يكون قيوما في بصره له البقاء والكمال فيه على الدوام ، والحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالغفلة والسنات فتتأثر وتضمحل وربما ينام أو يموت فتزول وتنعدم ، فلو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته ، ولذلك قال تعالى : } اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ { [البقرة:255] ، فأثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله ، وهذا المعنى كله في دلالة القيوم على صفة الذات.

أما دلالته على صفة الفعل فالقيومية هنا مردها إلى معنى الربوبية ، فالقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها ، فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها ، ومنه قوله تعالى : } أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ { [الرعد:33] ، وعند البخاري مرفوعا : ( أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ) ، وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ { [فاطر:41].
الله جل جلاله الحَيُّ
اسم الله الحي تحققت فيه شروط الإحصاء ، فقد ورد مطلقا معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، قال تعالى : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ً{ [الفرقان:58] ، وقال : ( هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [غافر:65] ، ولم يقترن الحي إلا باسمه القيوم لأن جميع الأسماء الحسنى تدل عليهما باللزوم ، قال تعالى : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) [البقرة:255] ، وسوف يأتي في الجزء الخاص بدلالة الأسماء على الصفات بيان ذلك وشرح العلة في كونهما الاسم الأعظم .
وعند مسلم من حديث أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سأله : ( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَتَدْرِى أي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ قُلْتُ : اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ ، قَالَ : فَضَرَبَ فِي صدري ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ )
وفي سنن أبي داود وحسنه الألباني منْ حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) ، وَفَاتِحَةُ آلِ عِمْرَانَ : ( ألم اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ ) .
الله جل جلاله القَيُّومُ
ورد الاسم مقترنا باسم الله الحي كما في الآيات السابقة وأيضا في قوله تعالى : ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْما ً{ [طه:111] ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَنَسِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )
وقد اعتبر بعض العلماء القائم والقيم والقيام من الأسماء الحسنى ، وليست كذلك لأنها وردت مضافة مقيدة ، وورد الإطلاق في القيام فقط لكن في قراءة شاذة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الله جل جلاله العَلِيُّ
ورد الاسم مقرونا بالعظيم في موضعين من القرآن فقال تعالى : ( وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ) [البقرة:255] ، وقال أيضا : ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ) [الشورى:4] ، واقترن باسمه الكبير في أربعة مواضع من كتاب الله منها قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِير ُ{ [الحج:62] ، وعن أبي داود وابن ماجه وصححه الألباني من حديث عبادة بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ العَلِىِّ العَظِيمِ ، ثُمَّ دَعَا رَبِّ اغْفِرْ لي ، غُفِرَ لَهُ ).
وفي سنن ابن ماجه أيضا وصححه الألباني من حديث عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ العَلِىُّ العَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ).
الله جل جلاله العَظِيمُ
اسم الله العظيم ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد منفردا ومقترنا باسم الله العلي ، قال تعالى : ( إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ ) [الحاقة:33] ، وورد في ثلاثة مواضع الأمر بالتسبيح به خاصة وبنص واحد في قوله تعالى : ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ ) ، موضعان في سورة الواقعة والثالث في سورة الحاقة (8)، أما اقترانه باسمه العلي فقد ورد في موضعين كما تقدم
وقد ورد الاسم في السنة في كثير من المواضع منها ما ورد عند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ )
وفي سنن أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ العَظِيمِ ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ ، وَسُلطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.