المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
إن الله عز وجل أنزل دين الإسلام وأنزل فيه الأدب الذي تصلح به الحياة، وهذا الأدب – الذي هو من صميم هذا الدين – أمر غفل عنه كثير من الناس، وهو ضروري للمسلم مع الله سبحانه وتعالى، ومع الرسل، ومع الخلق، وضروري له في أحواله حتى ولو كان وحده، ولا شك أن من جوانب العظمة في الدين الإسلامي الآداب التي جاءت في الشريعة والتي تميز المسلمين عن غيرهم وتظهر سمو هذه الشريعة وكمالها وعظمها، والدين أدب كله. والأدب هو اجتماع خصال الخير في العبد.
قال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله: «قد أكثر العارفون بالإسلام المخلصون له من تقرير أن كل ما وقع فيه المسلمون من الضعف والخور والتخاذل وغير ذلك من وجوه الانحطاط إنما كان لبعدهم عن حقيقة الإسلام، وأرى أن ذلك يرجع إلى أمور:
الأول: التباس ما ليس من الدين بما هو منه.
الثاني: ضعف اليقين بما هو من الدين.
الثالث: عدم العمل بأحكام الدين.
وأرى أن معرفة الآداب النبوية الصحيحة في العبادات والمعاملات والإقامة والسفر والمعاشرة والوحدة والحركة والسكون واليقظة والنوم والأكل والشرب والكلام والصمت وغير ذلك مما يعرض للإنسان والكلام والصمت وغير ذلك مما يعرض للإنسان في حياته، مع تحري العمل بها كلما تيسر – هو الدواء الوحيد لتلك الأمراض، فإن كثيرًا من تلك الآداب سهل على النفس، فإذا عمل الإنسان بما يسهل عليه منها تاركًا لما يخالفها لم يلبث إن شاء الله تعالى أن يرغب في الازدياد، فعسى أن لا تمضي عليه مدة إلا وقد أصبح قدوة لغيره في ذلك.
وبالاهتداء بذلك الهدي القويم والتخلق بذلك الخلق العظيم – ولو إلى حد نما – يستنير القلب وينشرح الصدر، وتطمئن النفس، فيرسخ اليقين، ويصلح العمل، وإذا كثر السالكون في هذا السبيل لم تلبث تلك الأمراض أن تزول إن شاء الله». اهـ.
وإن من الآداب التي غفل عنها البعض (آداب الزيارة بين النساء) فلقد جرت العادة في أكثر البلاد الشرقية أن تخصص المرأة فترة بعد العصر أو في الصباح لاستقبال صديقاتها أو زيارتهن على اختلاف في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية، وأيًا كانت الحال لا يخلو البيت يومها من إعلان حالة الطوارئ فيها:
فاستعدادات فوق العادة تستنزف الجهد وتضيع الوقت وتبعثر المال، وتحوِّل يوم الاستقبال إلى مباراة بين الأسر فيما يقدم للضيوف وفي إبراز مظهر البيت ولباس أهله، ولو سُئلت غالبية النساء عن الهدف من هذه الزيارة لكان أحسن ما يفصحن به: إنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن.
فما تقولين لرب العالمين يا أمة الله؟ ما تقولين له إذا سألك عن الوقت المهدر في الزيارات الذي إن لم يخل من المحرمات، فلا يخلو من لغو الكلام والثرثرة التي ذمها الرسول r. وأين حق الزوج والأولاد؟ ومتى تؤدين حقوق مجتمعك وأمتك الإسلامية؟ لمن تتركين مهمتك إذا كان همك الوحيد هو الخروج من البيت واللهو الفارغ؟
إن واجباتك ليست محصورة في التنظيف وإرضاء الزوج والإنجاب، لا يا أختاه، فأنت مربية الأجيال وممولة للمجتمع المسلم ببناته من نساء ورجال، إن واجبك هو التربية الرشيدة للأبناء، وإعدادهم إعدادًا إسلاميًا يجعلهم قادرين على حمل الأمانة والنهوض بالأمة وبناء المجتمع الفاضل المنشود.
وكأني بك – أختي المسلمة – تتساءلين: وهل هذا يعني البعد عن الناس وعدم الاختلاط بهم؟.
والجواب: إن اختيار المخالطة مطلقًا خطأ، واختيار الانفراد مطلقًا خطأ. والإسلام دين تجمع وألفة، والاختلاط بالناس والتعارف بينهم من تعاليمه الأساسية، وقد فضل الرسول r المسلم الذي يخالط الناس على ذلك الذي هجرهم ونأى عنهم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»([1]) وكيف يكون الإحسان للجيران والأقارب إلا بمواصلتهم ومعرفة أحوالهم؟ فكم من زيارة دلت على خير في الدنيا والآخرة؟! مسحت بها المسلمة آلام أختها المصابة، تقوي عزيمتها، وتشد من أزرها، وتدفعها إلى الصبر، تحيي عندها حسن الظن بالله وقرب الفرج، تشاركها أفراحها، تعلمها ما تجهله من أمور الدنيا والدين، تتناصح وإياها وتتشاور لما فيها خيرها وخير المسلمين.
أما المخالطة العشوائية التي لا يأبه لها كثير من النساء، فما هي إلا مظهر من مظاهر انهزام المرأة وتخاذلها عن القيام بواجباتها الأسرية، وهروب من التبعات المنزلية لتمضي مع صويحباتها فترة لهو ولغو. وهي حالة مرضية من حيث الهدف والمضمون. ومن أجل علاج هذا الأمر، وجعل الزيارات والخلطة مقيدة بأحكام الكتاب والسنة أضع بين يديك (خمسين أدبًا) من آداب الزيارة، بعضها آخذ بزمام بعض، مضمنة لمخالفات وآفات، وفي ختامها ذكرت لك بعض الكتب التي يمكن الاستفادة منها في استغلال الأوقات المهدرة في الزيارات، بقراءتها أو تلخيصها وعرضها على الحاضرات «والدال على الخير كفاعله».
وفقني الله وإياك لكل خير، وجعلنا من الدعاة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، والله يرعاك ويحفظك، وهو تعالى حسبي ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقفات قبل الخروج
[1] لتكن زيارتك خالصة لله تعالى، لا رياء ولا سمعة، ولا لتحقيق مصلحة دنيوية بحتة ولا لضياع الأوقات فيما يعود عليك بالندم والحسرات، فإنك موقوفة بين يدي الله تعالى، عن أبي هريرة t عن النبي r «أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى. فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها عليه ([2])؟ قال: لا. غير أني أحببته في الله. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه»([3]).
[2] تذكري فضل الزيارة وما أعده الله عز وجل للمتزاورات من الأجر العظيم. فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله. ناداه منادٍ: بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً»([4]).
وعن معاذ بن جبل t قال: سمعت رسول الله r يقول: «قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ»([5]).
[3] احرصي على زيارة أهل الخير والصلاح اللاتي يذكرنك بالله تعالى، ويشحذن الهمة للمسارعة في الخيرات. قال الله تعالى: ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ[ [الكهف: 28].
وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة»([6]).
[4] عليك بالاستئذان من ولي أمرك سواءً كان أبًا أو أمًا أو زوجًا، وطاعة الأخير أوجب وألزم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وإذا خرجت المرأة بغير إذن زوجها اعتبرت عاصية لله تعالى ولرسوله r».
وطاعة الزوج ليست تسلطًا منه، ولا امتهانًا للمرأة، وانتقاصًا لشخصيتها، إنما هي من طاعة الله تعالى والقربات إليه التي تثاب عليها ويجب أن تعتز بها.
[5] اختاري الوقت واليوم المناسب للزيارة، فلا يكن الوقت في الصباح الباكر أو في وقت الظهيرة بعد الغداء أو في وقت متأخر من الليل، فإن وقت الصباح الباكر وقت نوم عند بعض النساء ووقت عمل عن أخريات. ووقت الظهيرة بعد الغداء هو وقت القيلولة، ووقت نوم واستراحة لأفراد الأسرة العاملين. والوقت المتأخر من الليل وهو وقت السكون والراحة أيضًا وهو وقت خاص بأفراد الأسرة.
[6] تحديد موعد مسبق للزيارة، عن طريق الهاتف إن استطعت. وتجنبي الزيارات المفاجئة التي قد تسبب الضيق والإزعاج لصديقتك، خاصة إذا كانت صديقتك أو بيتها في حال أو في هيئة تكره أن يراها أحد عليها.
[7] البسي عند الزيارة المعتدل من الثياب الذي لا شهرة فيه ولا مخيلة ولا تكبر. واحذري من اللباس غير المحتشم الذي يؤدي إلى تكشف العورة، وكذلك تسريحات الشعر المشبوهة المقلد فيها نساء الغرب الكافرات.
[8] لا تتطيبي عند الخروج من البيت فقد قال عليه الصلاة والسلام: «أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد، لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل»([7]).
هذا – يا أختي الكريمة – في حق من خرجت قاصدة بيت الله لأداء فرض من فرائض الله، فما بالك بمن خرجت متعطرة ومتطيبة إلى الزيارة؟ بلا شك أن التحريم هنا أشد والعقوبة أقسى وأعظم؛ قال عليه الصلاة والسلام: «أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية»([8]).
[9] التزمي بالحجاب الشرعي الذي هو عبادة وليس عادة، فالحجاب للمرأة المسلمة هو مجموعة الأحكام الإلهية، التي تحفظ للمرأة كرامتها وعفتها وحياءها وأنوثتها وتحفظ لها دينها، وتغطية وجه المرأة وشعرها هو أحد هذه الأحكام الشرعية الإلهية.
ومن شروط الحجاب الشرعي:
1- أن يكون ساترًا لجميع البدن.
2- أن يكون كثيفًا غير رقيق ولا شفاف.
3- أن لا يكون زينة في نفسه أو مبهرجًا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار.
4- أن يكون واسعًا غير ضيق، ولا يُجسم البدن، ولا يظهر أماكن الفتنة في الجسم.
5- أن لا يكون الحجاب مشابهًا لملابس الرجال.
ولا يغرنَّك – أيتها المباركة – تلك التي قد حسرت عن وجهها، وفسرت عن مفاتنها:
ذبلت أزاهير العفاف وسُعِّرت
في الحرب نارٌ للهوى شعواءُ
عجبًا لمن صبغوا الوجوه بأحمر
إذ ليس في تلك الوجوه حياءُ
[10] لا تنسي دعاء الخروج من المنزل: «بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزل أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليّ» فيقال لك حينئذ كُفيت ووقيت وهديت، وتنحى عنك الشيطان. فيقول لشيطان آخر: كيف لك بمن قد هديت وكفيت ووقيت.
[11] احذري من الضرب بالأرجل ليعلم ما تخفين من زينة، قال تعالى: ]وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ[ [النور: 31].
يقول أحدهم: (إني أعرف فلانة عندما تنزل على السلم، فسئل: وكيف؟ قال: أعرفها بحذائها، فإن له نغمات خاصة أميزها به وأميزه بها!!
قلت: رحم الله نسوة تأدبن بأدب القرآن.
[12] لا يجوز لك أن تركبي مع السائق الأجنبي – غير المحرم – والخلوة معه، فقد قال الرسول r: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم»([9]) ولا تكوني مثل فلانة التي تُعد السائق كأنه ليس رجلاً فتقوم بتغطية وجهها عن غير محارمها من الرجال ولكنها تكشفه للسائق، وتخرج معه متعطرة ولا تبالي بذلك، وتأخذ معه وتعطي في الحديث، وقد تركب بجانبه، بل قد يمتد الأمر إلى أن تلصق جسدها بجسده. فرحماك ربي!!
([1])رواه أحمد في المسند (5023).
([2])تقوم بها، وتسعي في صلاحها.
([3])رواه مسلم (2567).
([4])رواه الترمذي (2017) وقال: حديث حسن غريب.
([5])رواه مالك في الموطأ (2/953) بإسناد صحيح كما قال النووي.
([6])متفق عليه.
([7])رواه ابن ماجه (4002).
([8])رواه النسائي (5126).
([9])رواه مسلم (4762).
فهذا مبيت صالح وصديق
وإن فنائي للقرى لرحيبُ
أُضاحِك ضيفي قبل إنزال رحله
فيخصب عندي والمكان جديبُ
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى
ولكنما وجه الكريم خصيبُ
وأمنحه ودي إذا يتجنَّبُ
ولستُ ببادٍ صاحبي بقطيعةٍ
ولا أنا مبدٍ سره حين يغضبُ
ولم تستحي فافعل ما تشاءُ
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاءُ
وإن عرفتَ فرعَهُ وأصلَهُ
فكن أنت محتالاً لزلته عُذرًا
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه
كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليمُ دواعي الصدر لا باسطٌ أذى
ولا مانعٌ خيرًا ولا قائلٌ هُجرا
لكن سيد قومه المتغابي
ر وإن كنت لا تجاوز زلَّه
وما شيمه لي غيرها تشبه العبدا
([1])صحيح الجامع (462).
([2])صحيح الأدب المفرد (180).
([3])صحيح الجامع (6823).
([4])رواه مسلم (2184).
([5])صحيح الجامع (2330).
([6])صحيح الجامع (486).
([7])رواه مسلم (37).
([8])صحيح الجامع (7136).
([9])صحيح الجامع (1464).
([10])صحيح الجامع (5443).
([11])رواه البخاري ومسلم.
([12])أخرجه الترمذي (1977) وقال: حديث حسن غريب.
([13])الأذكار ص298.
([14])أخرجه أبو داود (4875) بإسناد صحيح.
([15])المرجع السابق (4883) بإسناد صحيح.
([16])رواه البخاري.
([17])رواه أبو داود (4023) والترمذي (3454).
([18])رواه مسلم (2734).
([19])صحيح الجامع (5607).
([20])رواه البخاري.
([21])رواه أبو داود والترمذي.
([22])رواه الترمذي (2707) وقال: هذا حديث حسن.
([23])رواه الترمذي (3429).