في ضوابط قيام المرأة بخدمة الرجال الأجانب
السؤال:
إذا استضاف شخص ما رجالا أجانب في بيته، ولم يجد من يقوم بإكرامهم وحسن ضيافتهم، فهل يجوز لزوجته أن تقدم لهم الطعام؟ وهل يعد هذا من الاختلاط؟ وما حكم الاختلاط؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقيام المرأة بصنع الطعام وتقديمه للمدعوين إلى وليمة العرس أو غيره من الرجال مما أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم لامرأة أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه، قال سهل بن سعد:« لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد »(1)، وقد قيد ذلك العلماء بأمن الفتنة، واستتار المرأة بشروط الجلباب المعروفة، وبرضا زوجها، قال ابن حجر:« وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر، وجواز استخدام الرجل امرأته في ذلك »(2). وتقدير الفتنة وضبطها يرجع إلى خبرة الرجل بمن يدعو إلى وليمته.
وليس في إلقاء المرأة السلام على الأجنبي إذا أمنت الفتنة ، ولا في تقديم الطعام له مع وجود زوجها أو بحضرة أحد محارمها وبإذنه ما يدل على الاختلاط الآثم، إذ ليس في الحديث السابق ما يدل على مجالسة المرأة للرجال الأجانب، ومشاركتهم الطعام، أو ملامستهم، أو الخلوة بهم، أو تبادل معهم الحديث والرأي والنظرات والبسمات، ونحو ذلك مما فيه للشيطان مطمع، ويدل على انتفاء الخلوة والاختلاط قوله صلى الله عليه وآله وسلم:« لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم »(3)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم »(4).
أما مسألة الاختلاط فإن الأصل فيه أنه محرم لغيره لا لذاته، أي: أنه حرم سدا للذريعة لما يفضي إلى الفساد والفاحشة والزنا، لذلك حرم الله تعالى كل متعلقات ذلك: كالاختلاط بالنساء من خلوة بالمرأة، أو نظر إليها بقصد الشهوة، أو السفر معها من غير ذي محرم، إلا أن هذا الاختلاط قد يباح للمصلحة الراجحة، وكذلك غيره مما حرم سدا للذريعة، كالنظر إلى وجه المرأة فإنه يجوز النظر إلى المخطوبة لمصلحة الزواج، ويجوز خروج المرأة من أجل شهود الجماعة والجمع في المسجد، ويجوز أن تقوم في الصلاة خلف الرجال، ويجوز أن تخرج من بيتها للحاجة، للحديث:« و قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن »(5)، وغير ذلك، لكن ينبغي أن يضبط بالقيود الشرعية والضوابط المرعية، من التستر، وترك التبرج، والتطيب، والتمايل، وكل ما يؤدي إلى الفتنة، ويمكن أن تضبط بقاعدة:« ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة والحاجة مع التقيد بالضوابط والقيود الشرعية ».
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
*****************
*********
فتاوى الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس الجزائري
الجزائر في: في 4 من المحرم 1445ه
الموافق ل: 11/01/2017م
1- أخرجه البخاري في «النكاح »، باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم: (5182), ومسلم في «الأشربة »، باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكرا: (5233). وابن ماجه في «النكاح »، باب الوليمة: (1912)، وابن حبان في «صحيحه »: (5395)، والبيهقي في «السنن الكبرى »: (17880)، من حديث سهل ابن سعد الساعدي رضي الله عنه.
2- «فتح الباري » لابن حجر: (9/251).
3- أخرجه البخاري في «الجهاد »، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة وكان له: (2844)، ومسلم في «الحج »، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره: (3272)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
4- أخرجه الطبراني في «الكبير »: (11462)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وأحمد في «مسنده »: (14241)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والحديث صححه الألباني في «غاية المرام »: (180).
5- أخرجه البخاري في «التفسير »: (4421)، ومسلم في «السلام »: (5668)، وأحمد: (23769)، والبيهقي: (13793)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
بارك الله فيكم وحفظ الله اليخ فركوس من كل سوء
وإياكم بارك الله فيك
|
وفيكم بارك الله وأكرمكم وأثابكم