عاصفة لن تهدأ تلك التي مازالت وزارة الداخلية الجزائرية تثيرها، باشتراطها أن تكون صور النساء في بطاقات الهوية الشخصية وجوازات السفر دون حجاب. فمن جانبها انتقدت لجنة الفتوى لجمعية العلماء المسلمين القرار، لأنّ الدين الإسلامي يمنع المرأة من كشف أي شيء من جسدها،
ما عدا الوجه والكفين، وأضافت أن الفقهاء نصّوا على أنه إذا دعت الضرورة إلى كشف شيء مما يجب ستره، كما هو الحال في التطبيب مثلا، فإنه يرخص لها بناء على القاعدة الفقهية المعروفة "الضرورات تبيح المحظورات"، لكن على أن يكون ذلك بقدر الحاجة إلى تلك الضرورة، عملا بقوله تعالى "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم".وذكرت صحيفة "الشروق الجزائرية" أن الفتوى صدرت بعد أن وردت لجمعية علماء المسلمين مئات الأسئلة من كافة أنحاء الجزائر؛ لسؤال رئيس الجمعية عبد الرحمن شيبان لتفسير صحة قرار الإدارة القاضي بمنع المواطنين من الحصول على وثائق هوياتهم وجوازات السفر ورخص السياقة، إلا بتقديم صور للنساء كاشفات الرأس ومن دون لحى بالنسبة للرجال، ما أثار تذمرًا واسعا في أوساط المحجبات.قرارات إدارية !يذكر أن القرار الذي اتخذته السلطات الجزائرية منذ عدة أشهر والذي أرجعته إلى أسباب أمنية، مازال يثير حتى الآن حالة واسعة في أوساط الجزائريات واللاتي تحرص نسبة كبيرة منهن على ارتدائه.وزير الداخلية حاول أكثر من مرة التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إليه، ودعا الجزائريات إلى تفادي التصعيد مع الجهات الإدارية، التي تطلب منهن نزع الخمار عند التقدم لاستصدار بطاقات هوية، وزعم أن ‘هناك قوانين دولية أصبح متعارفا عليها في مجال السفر، ينبغي علينا الانصياع لها، وذكّر بحوادث وقعت حتى لبعض الشخصيات الرسمية الجزائرية في مطارات أو موانئ في العالم بسبب عدم احترام هذه المعايير، التي انتهت بالتأكد من هوياتهم عن طريق بصمات أصابعهم.وزير الداخلية نفى أمام نواب البرلمان أكثر من مرة أن يكون الغرض هو إهانة الجزائريات، لكنه حاول أن يجد مخرجا فقهيا للقضية بقوله: إن القرآن لم يُشِر صراحة إلى حرمة نزع الخمار، مؤكدا أن هناك خلافا بين العلماء في هذه المسألة.. ثم فاجأ النواب بقوله: إن هذه الإجراءات اشتكت منها أمه، ولم يستطع أن يتدخل في حقها من أجل استصدار بطاقة هويتها من دون الخضوع لهذه الإجراءات الجديدة، حيث لم ينفع أنها أم الوزير! عداء علماني !وتحرّكت بعض الأحزاب الإسلامية لإلغاء هذه الإجراءات، وقام نواب من كتلة حركة الإصلاح الوطني (الإسلامية) بتوجيه أكثر من مساءلة خطية للوزير، حول ما وصفوه بالتدابير التعسفية الموجهة ضد الحجاب، وتساءلوا بأي حق يطلب إداري من امرأة خلع خمارها!موقف السلطات الرسمية من الحجاب يربطه البعض بالحرب المستمرة التي يعلنها عليه العلمانيون، والذين يرون فيه عدوا شرسا يجب مقاومته بكافة السبل الممكنة، وطبقا لما يؤكده فرحات مهنى رئيس "الحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل"، فإن الحجاب ليس تقليدا قبائليا، ولا أمازيغيا وإنما هو ثقافة عربية، وشرق أوسطية غريبة عنا على حد زعمه، وأضاف في حديثه لإحدى الصحف الجزائرية، أن الحجاب هو نتاج للوجود التركي في البلاد وادّعى أن الكثير من الجزائريات خلعن الحجاب، وألقين به على الأرض تعبيرا منهن عن رغبتهن في التحرر من هذا التقليد المتعسف، الذي منعهن من عيش حياتهن الاجتماعية بحُريّة!وقال: إنّ الحجاب لم يكن خيارا في الجزائر أبدا، بل كان أمرا مفروضا تماما، كما تم فرض اللغة العربية "هذا في بداية الأمر" ثم بدأت ظاهرة التقليد والموضة التي صنعت الشهرة!أما "بلعيد ابركا" رئيس حركة المواطنة لعروش، فيقول: للحجاب ثلاثة مبررات في الوجود، أولها: إيديولوجي، ثانيها: ثقافي، وثالثها: مرتبط بالوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه المرأة المتحجبة، ويقول إيديولجيا الحجاب يعبر عن إيديولوجية إسلامية في لباس مستورد من المشرق يعكس هوية ليست لنا، على حد قول ابريكا!حجاب الموضة !ويمضي في هجومه على الحجاب، قائلا: شاع هذا الرداء في الجزائر، لأنّ النظام التربوي عمل على تكريسه في بلادنا، بالإضافة إلى قانون الأسرة الذي رتب المرأة الجزائرية في أدنى مرتبة اجتماعية، مانعا إياها من أبسط حقوقها الشرعية ثقافيا، الأمر بالنسبة لابريكا مقصود في محاولة لاستئصال الثقافة الأمازيغية وفرض ثقافة دخيلة، وطمس للهوية الحقيقية للشعب الجزائري!في الشارع الواحد في أي مدينة من المدن الجزائرية يمكن للسائر أن يشاهد أنواعا كثيرة لشيء واحد اسمه الحجاب، هناك الشرعي الذي يجمع في تصميمه المواصفات المطلوبة:" لا يشف ولا يصف،لا يلفت النظر،أن يكون واسعا،وألا يشبه بملابس الرجال، ألا يكون مثيرا وجذابا"، وهناك الحجاب المتطور على حد قول المرتديات له، إنه يسهل عليهن متاعب الحياة.الصراع بين العلمانيين والإسلاميين حول الحجاب لم يتوقف طوال السنوات الماضية، وهو ما أدّى لمجموعة كبيرة من المعارك التي وقعت بين الطرفين، وذلك في ظل الأحزاب والتجمعات السياسية العديدة التي شهدت البلاد ميلادها، وظل الحجاب موضوعاً سائغاً للنقاش في الندوات السياسية والفكرية وبين طلبة الجامعات خصوصاً، في وقت كانت الجزائر تعرف انتشاراً للحانات والنوادي الليلية أيضاً!زيادة ملحوظة!وكانت شركة كبرى مملوكة لرجل أعمال أردني دخلت السوق الجزائرية قبل خمس سنوات فقط، وفتحت الشركة أول محل ضخم لبيع الحجاب في قلب العاصمة الجزائر منذ عامين فقط، وتوسعت إلى 7 محال بعد ذلك في مناطق مختلفة من الجزائر، توفر أنواعاً فخمة من الحجاب بأشكال وألوان زاهية تنسجم مع فصول السنة الأربعة، ما جعل المحل يستقطب مئات ال**ائن يومياً، ويثير في الوقت عينه تساؤلات ورفض فئة أخرى من المجتمع لنوعية الحجاب الذي يبيعه والذي يعرف باسم حجاب الموضة.المعلوم أن التيار الفرنكفوني العلماني لا يسيطر بصورة كاملة على الإعلام في الجزائر، حيث يمنع حتى الآن ظهور أية مذيعة متبرجة على شاشة التلفزيون الجزائري، وذلك رغم الدور المتزايد الذي تلعبه الحركات الإسلامية في الشارع الجزائري.المعلوم أن غالبية المؤسسات الأجنبية العاملة في الجزائر لا توظف الجزائريات اللاتي يرتدين الحجاب، وتفضل الفتيات اللواتي يرتدين الزي الغربي، ورغم أنه لا وجود لتعليمات تسمح بذلك، إلا أن الاتجاه العام لدى المؤسسات الأجنبية هو رفض توظيف المتحجبات وذلك وفقا لجريدة "الخبر" الجزائرية مؤخرا.وبحسب بعض الإحصائيات تشير إلى أن نسبة المحجبات في الجزائر، تصل إلى نحو 50% وتصل إلى أكثر من 97% في الولايات الصحراوية، ويمكن بسهولة رؤية فتيات محجبات كثيرات يعملن في المؤسسات العامة ويدرسن في الجامعات والمدارس.