تخطى إلى المحتوى

أهمية مسائل الإيمان 2024.

  • بواسطة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أهمية مسائل الإيمان

تكمن أهمية معرفة مسائل الأيمان و الكفر في تعلق الاحكام الشرعية المترتبة عليها في الدنيا و الآخرة .

قال إبن تيمية رحمه الله : ( وليس في القول أسم علق به السعادة و الشقاء أو المدح و الذم و الثواب و العقاب أعظم من اسم الأيمان و الكفر و لهذا سمي هذا الآصل " مسائل الأسماء والاحكام" ) [المجموع ج 13 /58].

قال ايضا رحمه الله : ( فان الخطا في اسم الايمان ليس كالخطأ في اسم محدث ، ولا كالخطأ في غيره في الأسماء ، اذا كانت أحكام الدنيا و الاخرة متعلقة باسم الأيمان و الاسلام و الكفر و النفاق ) [المجموع 7/ 395].

قال تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } [الجاثية: 21].
قال تعالى : { ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون } [الأنفال :37].

أما اهمية هذا الموضوع في الآخرة فأن مصائر الخلق متوفقة على الايمان و الكفر ، فإما الى جنة واما الى نار ، و أما في الدنيا فمترتب على مسائل الايمان و الكفر احكام عديدة .

قال ابن رجب الحنبلى رحمه الله : ( وهذه المسائل اعني مسائل الاسلام و الايمان و الكفر و النفاق مسائل عظيمة جدا ، فإن الله عز وجل علق بهذه الاسماء السعادة و الشقاوة و استحقاق الجنة و النار ، والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الامة ) [جامع العلوم والحكم /27] يريد بذلك خلاف الخوارج للصحابة .

" وان الخلط او الجهل بهذه المسائل قد ضل بسببه أقوام نسبوا من يتمسك بعقيدة السلف وأهل السنة والجماعة الى البدعة بل اتهموهم بالخروج و عادوهم ، وادخلوا في هذا الدين من حرصت الشريعة بتكفير واجمع العلماء على كفرهم ، بل وبايعهم هؤلاء و نصروهم بالاقوال وألافعال ، كل ذلك بسبب جهلهم او اعراضهم عن تعلم هذه المسائل ، واضلالهم بسبب اعراضهم جزاء وفاقا و لا يظلم ربك أحدا " [التبيان/ 44].

وانه كما يجب ان نحكم بالاسلام لمن ثبت اسلامه بيقين ولا نكفره في غير بينه شرعية ، فانه ينبغى الحذر في عدم تكفير من فعل الكفر و ليس له عذر شرعي ، بل الواجب تكفيره ان لم يكن له عذر شرعي دون الرجوع الى قصده

يقول الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله : ( واما ان كان المكفر لأحد في هذه الامة يستند في تكفيره الى نص و برهان من كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد رأى كفرا بواحا ، كالشرك بالله و عبادة ما سواه ، و الأستهزاء به تعالى أو بآياته أو برسله ، او تكذيبهم أو كراهة ماأنزل الله من الهدى و دين الحق ، أو جحد صفات الله تعالى و نعوت جلاله و نحو ذلك ، فالمكفر بهذا و امثاله مصيب مأجور مطيع لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم ) [الرسائل المفيد /388].

الاحكام المترتبة على مسائل الايمان و الكفر في الدنيا :
و منها :

1) في السياسه الشرعية : وجوب طاعة الحاكم المسلم ، و تحريم طاعة الحاكم الكافر و وجوب الخروج عليه و خلعه ، وانه لايجوز التحاكم الى الاحكام الوضعية و لا العمل بها و من فعل ذلك راضيا بها فهو كافر ، و يحرم مبايعة الحكام العلمانين المرتدين و عدم الانخراط في جيوشهم او اجهزتهم التى تعينهم على كفرهم و ظلمهم ، وان ديارهم ديار كفر وردة .

2) في أحكام الولاية : فلا ولاية لكافر على مسلم وفي ذلك لايكون الكافر حاكما ولا قاضيا للمسلمين ، ولا تصح امامة الكافر في الصلاة ، ولا تصح ولاية الكافر لمسلمة في النكاح بل لايكون محرما لها ولا يكون وصيا على مسلم ولا يل ماله ، و غير ذالك من صور الولاية .

3) في احكام النكاح : يحرم نكاح الكافر لمسلمة و المسلم لكافرة .

4) في احكام المواريث : فان أختلاف الدين يمنع التوارث ، فلا يرث الكافر المسلم ولا يرث المسلم الكافر على الصحيح .

5) في أحكام العصمة : فان المسلم معصوم الدم و المال و العرض بخلاف الكافر الذي لاعصمة له في الاصل الا ان يكون له عهد او امان او ذمة.

6) وفي احكام الجنائز : فان الكافر و منه المرتد لايغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يستغفر له و لا يترحم عليه إذا مات ، قال تعالى { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله } ، و قال تعالى { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } [التوبة :113].

7) في أحكام الولاء و البراء : يوالى المؤمن على حسب ايمانه و تحرم موالاة الكفار و تجب البراءة منهم و بغضهم و اظهار العداوة لهم على حسب الأمكان ولا يجوز إعانة الكفار على شيء يضر المسلمين .

8) في احكام الهجرة : فيجب على المؤمن أن لايقيم بين الكافرين ما امكنه ذلك إلالمصلحة شرعية و يجب عليه الهجرة من دارهم الى دار المسلمين حتى لا يكثر سوادهم .

9) في احكام الجهاد : فاءن المسلم يجاهد مع الائمة المسلمين سواء كانوا ابرارا او فجارا ولا يجوز القتال خلف امام كافر أو مرتد وأن تكون راية الجهاد شرعية فيكون الجهاد فىسبيل الله و إعلاء كلمته و تحكيم شرعه وأن يكون الدين كله لله ومن اجل ازالة الباطل و محق كل رايات الكفر و الشر و الالحاد ، وكذلك ما يترتب من الأحكام في معاملة الاسرى و الغنائم و الفيىء و الجزية .

10) في أحكام الديار : فاءن هذه الأحكام مبنية على مسائل الكفر و الايمان من تحريم السفر للمسلم إلى دار الكفر إلى لحاجة و عدم الاقامة بها إلا لضرورة أو مصلحة شرعية و بالشروط التي وضعها العلماء و منها وجوب اظهار دينه كما لايجوز لكافر أن يدخل دار الأسلام إلا بعهد أو امان ولا يقيم بها إلا بجزية و هناك أماكن لايجوز للكافر أن يقيم بها على الاطلاق وهي جزيرة العرب و أماكن اخرى لايجوز لهم دخولها وهي مناطق الحرام .

11) وفي أحكام القضاء :لاتقبل شهادة الكافر على المسلم في الأصل كما يحرم أن يكون الكافر قاضيا على المسلمين كما ذكرنا في أحكام الولاية .

و الخلاصة في هذه المسألة :

أن ثمرة هذا الموضوع – الكلام في الايمان و الكفر – هي تميز الؤمن من الكافر لمعاملة كل منها بما يستحقه في شرع الله تعالى و هذا واجب على كل مسلم ثم إن من مصلحة الكافر أو المرتد ، أن يعلم أنه كافر فقد يبادر بالتوبة أو بتجديد اسلامه فيكون هذا خيرا له في الدنيا و ألأخرة – الى أن قال – فكثير من الكفار هم من { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } [الكهف 104] ، [كتاب الجامع ج2 -480].

[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان]



[1] أمن : جمع أمين وهو الحافظ

تعريف الإيمان عند أهل السنة و الجماعة "1"

لُغة ً : وله في اللغة العربية إستعمالان :

الأولى : عندما يتعدى بنفسه اذا كان ضميره عائد للفاعل يكون معناه التأمين اي إعطاء الأمان .
مثال ذلك : وأمنتهُ ضد و أخفتهُ و دليل هذا المعنى ، قوله تعالى : { وءامنهم من خوف} [قريش : 4] ، وقوله تعالى : { إن المتقين في مقام أمين } [الدخان : 51] ، وقوله تعالى : { مكين أمين } [يوسف : 54].

ومن السنة ـ قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( النجوم أمنة [1] السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ماتوعد وأنا أمنةُ لأصحابي فإذا ذهبت أتي أصحابي ما يوعدون و أصحابي أمنة لأُمتي فإذا ذهب أصحابى اتى أُمتي ما توعد ) [رواه مسلم | رقم الحديث : 2531].

الثاني : اذا تعدى بالباء أو باللام فيكون معناه التصديق .

قال تعالى : { وما أنت بمؤمن لنا } اي : بمصدق لنا ، و يقال في العربية : ءامنت بكذا ، اي : صدقت به وءامنت بالنبّي ، اي : صدقت بالنبي ، و قوله تعالى : { و ءامن له لوط } ، أي : صدق له لوط ، و قوله تعالى : { يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين } ، اي : يصدق بك و يصدق بالمؤمنين ، و قوله تعالى : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم .. } [البقرة : 35] ، تعدي بالكلام .

و يقول ابنُ الاثير في هذا : ( أمن ؛ في أسماء الله المؤمن ، و هو الذي يَصْدُقُ عباده وعده فهو من الايمان " التصديق" جزماً ، أو يؤمنهم في القيامه من عذابه فهو من الامان و الأمن ضد الخوف ) [النهاية في غريب الحديث و الاثر 1-69-5] .

الفرق بين لفظ الايمان و التصديق :

قال ابن تيمية رحمه الله : ( فإن كل مخبر عن مشاهدة او غيٍب يقال له في اللغة صدقت كما يقال له كذبت و اما لفظ الايمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب ) ، وقال أيضا رحمه الله : ( فإن الايمان مشتق من الامن فإنما يستعمل فيما يؤتمن عليه المخبٍر كالامر الغائب ) [كتاب الايمان ص 276].

اما تعريف الايمان إصطلاحاً عند اهل السنة و الجماعة :

قال البخارى رحمه الله : ( هو قول و فعل ) [فتح الباري : 1-45] ، وفي رواية اخرى ( هو قول و عمل ) ، و قال أيضاً رحمه الله : ( لقيت اكثر من الف رجل من العلماء بالامصار فما رأيت احداً منهم مختلف في ان الايمان قول و عمل و يزيد و ينقص ) [فتح الباري : 1-47].

قال الشافعي رحمه الله : ( وكان الاجماع من الصحابة و التابعين ومن بعدهم وممن ادركناهم يقولون " الايمان قول و عمل و نية لايجزي واحد من ثلاث إلا بالآخر " ) [كتاب الام :8-161 | مجموع الفتاوى:7-209].

قال ابن تيمية رحمه الله : ( وكان ممن مضى من سلفنا لايفرقون بين الايمان و العمل ، العمل من الايمان و الايمان من العمل ) [كتاب الايمان ص 261] .

و قال ايضاً رحمه الله : ( وقد مال الى هذا المذهب ابو عبدالله و هذا قول مالك ابن انس إمام دار الهجرة و معظم أئمه السلف ) [الفتاوى : 144].

و قال أيضاً : ( وأما سائر الفقهاء من اهل الرأي و الأثار بالحجاز و العراق و الشام و مصر – منهم مالك بن انس ، الليث بن سعد ، سفيان الثوري ، الاوزاعي ، الشافعي ، أحمد بن حنبل ، اسحاق بن راهوية ، ابو عبيد القاسم بن سلام ، داوود بن علي و الطبري – ومن سلك سبيلهم فقالوا الايمان : قول و عمل , قول باللسان وهو الإقرار و اعتقاد بالقلب و عمل بالجوارح مع الاخلاص بالنية الصادقة ) [كتاب الايمان ص: 292].

قال ابن تيمية ايضاً : ( ومن هذا الباب أقوال السلف و أئمة السنة في تفسير الايمان فتارةً يقولون : هو قول و عمل و تارة يقولون : هو قول و عمل ونية و تارة يقولون : هو قول و عمل ونية واتباع السنة و تارة يقولون قول باللسان و اعتقاد بالقلب و عمل بالجوارح وكل هذا صحيح ) [كتاب الايمان ص: 164 | أو شرح النووي لصحيح مسلم 1-125].

قال ابن القيّم : ( و ها هنا أصل آخر و هو ان حقيقة الايمان مركبة من قول و عمل ، و القول قسمان : قول القلب وهو الاعتقاد – يعني التصديق – و قول اللسان و هو التكلم بكلمة الاسلام – يعني شهادة لاإله الا الله محمد رسول الله – ، والعمل قسمان : عمل القلب وهو النية ، الاخلاص و الخوف . . . الخ ، وعمل الجوارح فإذا زالت هذه الاربع زال الايمان ) [كتاب الصلاة ص 26].

قال ابن تيمية : ( و المقصود هنا ان من قال من السلف الايمان قول و عمل اراد قول القلب و اللسان و عمل القلب و الجوارح ) [كتاب الايمان ص 164].

[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كُردستان]

تعريف الإيمان عند أهل السنة و الجماعة "2"

التعريف المختار : ( الايمان ؛ هو اعتقاد القلب و قول اللسان و عمل الجوارح ) .

اعتقاد القلب : و يشمل عمل القلب و قول القلب .

و يتضمن قول القلب :

معرفة الله سبحانه وتعالى ونبيه والتصديق بهما و بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرائع وما يتضمنه الاسلام من العبادات والاحكام وكذلك التصديق بالملائكة واليوم الاخر والكتب والرسل والجن والبعث والجنة والنار وسائر الامور الغيبيه .

عمل القلب:

و يتضمن اعماله مثل : الاخلاص ، الخشوع ، الخوف ، الرجاء ، المحبة ، الإعتقاد ، الإذعان ، التوكل ، والانابة … الخ .

قال تعالى : { . . . ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم } [الحجرات : 7] ، وقوله تعالى : { كتب في قلوبهم الايمان } [المجادلة : 22] ، و قوله تعالى : { إلا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان } [النحل : 106] .

ومن السنة ؛ قوله صلى الله عليه وسلم : ( والحياء شعبة من الايمان ) [متفق عليه].

ويدخل فيه جميع اعمال القلوب :

التوكل : قوله تعالى : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } [].

الانقياد : قوله تعالى : { فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. . . } [النساء : 65] ، نفى الايمان عمن لم يحكم الله ولم نيقاد له ، و وجه الدلالة هو في قوله تعالى في آخر الآية نفسها { و يسلموا تسليما } .

اليقين : قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا في سبيل الله } [الحجرات : 15] .

ملاحظة : شروط لا إله الا الله داخلة في اعمال القلوب ، و هي:
1- العلم.
2- اليقين.
3- ألاخلاص.
4- الصدق.
5- المحبة.
6- ألانقياد.
7- القبول.

قال ابن القيم رحمه الله : ( فاهل السنة مجتمعون على زوال الايمان وانه لاينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب و هو محبته و انقياده ) [كتاب الصلاة ص 26].

قول اللسان :
و يتضمن الشهادتين اتبداءً و من ثم كل قول يلفظ و كذا سائر العبادات القولية مثل : الذكر ، الدعاء ، قراءة القرءان و الكلمة الطيبة. . . الخ .

ملاحظة : من العلماء من استعمل في التعريف إقرار اللسان بدل قول اللسان فإن كان يقصد بالاقرار الشهادتين فقط فهذا خطأ – او ناقص – لأن قول اللسان يتضمن أكثر من الشهادتين كما ذكرنا .

قال تعالى : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ البقرة : 136] ، و قال تعالى في الاية التي تليها : { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } [ البقرة : 137] ، فسمى قول الايمان ايماناً .

ومن الادلة كذلك ما كان عليه ابو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان مصدقا بقلبه ، بدليل انه قال في الرسول صلى الله عليه وسلم شعراً :

ولقد علمت بأن دين محمد القعدة من خير أديان البرية دينا
و الله لن يصلوا اليك حتى القعدة أو سد في التراب د فينا
لولا الملامة او حذار مسبة القعدة لو جدتني سمحاً بذاك مبينا

ومع ذلك لم يقر بلسانه مخافة معرة و مات مشركا و كافرا .

وفي الحديث عن ابي هريرة رضى الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : ( قل لاإله الا الله اشهد لك بها يوم القيامة ) ، قال : لولا ان تعيرني قريش , يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك ، فأنزل الله تعالى :{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله الا الله وأن محمداً رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم واموالهم إلا بحق الاسلام و حسابهم على الله ) [متفق عليه ، رقم 25 البخاري] ، وجه الدلالة : " حتى يشهدوا . . . " .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لاإله الا الله وأن محمداً رسول الله. . . ) ، قال في شرحه : ( منه ان الايمان شرطه الاقرار بالشهادتين مع اعتقادهما و اعتقاد جميع ما اتي به النبي صلى الله عليه وسلم ) [شرح صحيح مسلم للنووي : 1-212].

قال ابن تيمية رحمه الله : ( الشهادتان اذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر بإتفاق المسلمين و هو كافر باطنا و ظاهراً عند سلف الامة وائمتها و جماهير علمائها ) [مجموع الفتاوى 7-609].

قال الحافظ البغوي : ( الكافر كان وثنياً او ثنوياً لايقر بالوحدانية فإذا قال لا إله الا الله حكم بأسلامه ثم يجبر على قبول جميع أحكام الاسلام و يبراًمن كل دين خالف دين ألاسلام , وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لايحكم باسلامه حتى يقول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان يعتقد بان الرسالة المحمدية الى العرب خاصة فلا بد ان يقول الى جميع الخلائق فإن كفر بجحد واجب او استباحة محرم فيحتاج ان يرجع عما اعتقده ) [فتح البارى 12-219].

{إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان}

تعريف الإيمان عند أهل السنة و الجماعة "3"


عمل الجوارح: ويتضمن كل العبادات البدنية كالجهاد ، الحج ، الدعوة الى الله و الحسبة … الخ [للاستفادة راجع معاررج القبول للحافظ الحكمي : جزء 2 ص20].

قال تعالى : { وما كان الله ليضيع ايمانكم .. } ، فسمى الصلاة ايمانا .

و القارىء لكتاب الله يتبين له ان الامر باعمال الجوارح جاء بعد جميع الندائات الموجهة من الله الى المؤمنين بصيغة { ياايها الذين ءامنوا . . . } ، مثل قوله تعالى في :

{ كتب عليكم القتال } ، { يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام} ، { ياأيها الذين ءامنوا لاتتخذوا اليهود و النصارى اولياء } .

{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} ، اي صادقون في قولهم ءامنا .

{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين. . . } .

{ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} .

و قال ابن تيمية رحمه الله في السابقة الذكر: ( فدل على ان الايمان المذكور ينفي اتخاذهم اولياء و يضاده و لايجتمع الايمان و اتخاذهم اولياء في قلب ) [الفتاوى :7-17].

{ ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين} ، " يتولى " من اعمال الجوارح .

{ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } ، " الطاغوت " ؛ كل معبود عبد من دون الله من متبوع او مطاع.

ومن السنة :

حديث شعب الايمان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الايمان بضع و سبعون شعبة فأفضلها قول لا إله الإ الله و ادناها إماطة الاذى عن الطريق و الحياء شعبة من الايمان ) [مسلم] ، فيتضمن هذا الحديث بجملته مركبات الايمان الثلاث : فلا إله الا الله قول و إماطة الاذى عمل جوارح و الحياء عمل قلبي .

قال ابن حجر : ( فإن قيل الحياء من الغرائز فكيف جعل شعبة من الايمان ؟ فأجيب بانه قد يكون عريزة وقد يكون تخلقا ولكن استعماله وفق الشرع يحتاج الى الكتاب و علم دين فهو من الايمان لهذا و لكونه باعثا على فعل الطاعة و عاجزا عن فعل المعصية ) [فتح الباري].

قول النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس : ( اتدرون ما الايمان بالله وحده ؟ قالوا الله ورسوله اعلم . قال شهادة ان لاإله الا الله وان محمدا رسول الله و إقام الصلاة وايتاء الزكاة و صيام رمضان و أن تعطوا من المغنم الخمس ) [متفق عليه ، كتاب الايمان 53].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) [متفق عليه].

قال ابن رجب : ( فلولا ان ترك هذه الكبائر من مسمى الايمان لما انتفى اسم الايمان عن مرتكب شيء فيها ) [جامع العلوم 105].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايؤمن احدكم حتى يحب لإخيه مايحب لنفسه ) [متفق عليه].

قال الكرماني : ( ومن الايمان ايضا ان يبغض لأخيه مايبغض لنفسه من الشر ولم يذكره لأنه حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه ، فترك التنصيص عليه اكتفاء ، والله اعلم ) [فتح البارى].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( و الله لايؤمن و الله لايؤمن و الله لايؤمن ) ، قيل : من يا رسول الله ؟ ، قال : ( الذي لايأمن جاره بوائقه [1] ) [البخاري].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده و ولده والناس أجمعين ) [متفق عليه].

وكتب عمر بن عبد العزيز الى عدي بن عدي [2] : ( ان للايمان فرائضا و شرائعا وحدودا و سننا فمن استكملها استكمل الايمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الايمان فان اعيش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص ) [فتح الباري 47:1].

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( لايتصور وجود ايمان القلب مع عدم جميع اعمال الجوارح , بل متى نقصت الاعمال الظاهرة كان لنقص الايمان الذي في القلب ) [كتاب الايمان ص 185].

وفي العلاقة بين التصديق اللغوي و الشرعي ، قال ابن القيم : ( ألايمان هو التصديق ولكن ليس التصديق المجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له ولو كان مجرد اعتقاد التصديق ايمانا لكان إبليس و فرعون و قومه وقوم صالح و اليهود الذين عرفوا ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون ابنائهم مؤمنين مصدقين فالتصديق انما يتم بامرين ؛ اعتقاد الصدق و محبة القلب و انقياده ) [كتاب الصلاة ص 19].

{إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان}

مراتب الإيمان "1"

إذا أطلق لفظ الايمان فالمراد به الدين كله وهو يشتمل على شعب ، كما في حديث الشعب : ( الايمان بضع و سبعون شعبة فأفضلها قول لاإله الا الله وأدناها إماطه الأذى عن الطريق و الحياء شهبة من الايمان ) [مسلم].

فاشتمل الايمان على جمع الطاعات فرضها و نفلها مما يجب على القلب و اللسان و الجوارح كما يشتمل الايمان على ترك المحظورات المحرم منها و المكروه و ينقسم الايمان الى مراتب تشتمل كل مرتبة على بعض شعب الايمان بحيث تتضمن المراتب الثلاث جميعا شعب الايمان .

و المراتب الثلاثة وهي :

اولا : أصل الايمان :
وهو مالايوجد الايمان بدونه وبه النجاة من الكفر و الدخول في الايمان و هو مطلق [جزء] الايمان ومن أتى بهذه المرتبة فهو داخل في المخاطبين بقوله تعالى : { ياايها الذين آمنوا } وهو يشتمل على شعب لايصح إلا باكتمالها و ضابط ما يدخل في الايمان من الاعمال سواء كانت فعلا او تركا و سواء كانت اعتقادا او قولا او عملا :ـ

أ – ان كل عمل يكفر تاركه ففعله من اصل الايمان ، مثل ؛ التصديق ، انقياد القلب ، اقرار اللسان ، و الصلاة …

ب- كل عمل يكفر فاعله فتركه من اصل الايمان : مثل : الاستهزاء بالدين ، الدعاء ، الاستعانة و الاستغاثه بغير الله ، و القتال في سبيل الطاغوت .. او جحد واجب او استحلال محرم او انكار واجب …. الخ.

وكل من لم يأت بأصل الايمان " جملة " او أخل به "جزء " فهو كافر فحلد في نار جهنم .

و ضابط الذنب المكفر هو ماقام الدليل الشرعي على أنه كفر اكبر مخرج من الملة .

ومن اتى باصل الايمان فقد نجا من الكفر و دخل الجنة لامحالة إما ابتدء وإما مئالا .

ومن الادلة الشرعية على ما سبق :

قال تعالى : { إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم * يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهـــم عذاب مقيم } ، و قوله تعالى: { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } ، و قوله تعالى : { ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله } .

وعن أنس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليصيبن اقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم الله الجنة بفضله و رحمته يقال لهم الجهنميين ) [البخاري 7450] ، و دخولهم الجنة مئالا انما هو بما معهم من أصل الايمان المضاد للكفر .

وعن ابي هريرة رضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( حتى اذا فرغ الله من القضاء بين العباد واراد ان يخرج برحمته من اراد من النار أمر الملائكة ان يخرجوا من النار من كان لايشرك بالله شيئا ممن اراد ان يرحمه ممن يشهد لاإله الا الله فيعرفونهم في النار بآثار السجود ) [رواه البخاري 7437].

وعن ابي ذر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذاك جبريل أتاني فقال : من مات من أمتك لايشرك بالله شيئا دخل الجنة ) ، قال ابوذر : قلت ؛ وإن زنى وإن سرق ؟! ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإن زنى وإن سرق ) [البخاري 6444].

وفي حديث آخر : ( أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من ايمان ) [البخاري].

قال ابن حجر : ( و المراد بحبة خردل هنا مازاد من الاعمال على أصل التوحيد لقوله في رواية أخرى " اخرجوا من قال لاإله الا الله و عمل من الخير ما يزن ذرة " ) .

قال محمد بن نصر المروزي : ( الكفر ضد اصل الايمان لأن للإيمان أصلا وفروعا , فلا يثبت الكفر حتى يزول أصل ألايمان , فإن قيل وألذى زعمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال عنه إسم ألايمان هل فيه من ألايمان شىء ؟ ، قالوا نعم اصله ثابت ولولا ذلك لكفر ) [تعظيم قدر الصلاة 513:2].

قال ابن تيمية – في وصف أهل هذه المرتبة – : ( فعامه الناس إذا أسلموا بعد الكفر او ولدوا على اسلام و التزموا شرائعه كانوا من أهل الطاعة لله ورسوله فهم مسلمون و معهم ايمان مجمل [1] ولكن دخول حقيقه الايمان [2] الى قلوبهم انما يحصل شيئا فشيئا إن اعطاهم الله ذلك و الإ فكثير من الناس لا يصلون الى اليقين و الى الجهاد ولو شككوا لشكوا ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا و ليسوا كفارا ولا منافقين بل ليس عندهم من علم القلب و معرفته و يقينه مايدرأوا الريب ولا عندهم قوة الحب لله و لرسوله ما يقدمونه على الاهل و المال و هؤلاء ان عفوا عن المحنة وماتوا دخلوا الجنة وان ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم ، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب والى صاروا مرتابين وانتقلوا الى نوع آخر من النفاق [3] ) [كتاب الايمان :257] .

{إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان}

[1] ايمان مجمل : اصل الايمان .
[2] حقيقة الايمان : كامل الايمان " الواجب و المستحب " .
[3] نوع آخر من النفاق : نفاق اكبر مخرج من المله .

مراتب الإيمان "2"


الايمان الواجب : وهو مازاد عن اصل الايمان من فعل الواجبات و ترك المحرمات و ضابط مايدخل في اليمان الواجب من الاعمال سواءً كانت فعلاً او تركاً ، ان كل عمل ورد في تركه و عيد ولم يكفر فاعله فتركه من الايمان الواجب كالزني و الربا و السرقة و شرب الخمر. . . الخ، بشرط عدم الاستحلال و عدم الإنكار – اي عدم استحلال محرم و عدم انكار واجب –

و الناس في الايمان الواجب على درجتين :

1- المقصرون منه : بترك واجب او فعل محرم بعد إتيانهم بأصل الايمان , فهولاء هم أصحاب الكبائر او المخلطون من أهل التوحيد او عصاة الموحدين أو الفاسق الملّي او الظالم لنفسه فمن كان هذا حاله فهو من اهل الوعيد إن مات بلا توبة ولكنه في المشيئة فإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يُخرجُهُ اللهُ من النار و يدخله الجنة بما معه من أصل الايمان .

الأدلة علي تكفير الذنوب بالمغفرة :

قال تعالى : { إنّ اللّه لا يغفرُ أن يُشرك به ويغفرُ ما دُون ذلك لمن يشاءُ } .

وعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد نقباء ليلة العقبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – و حوله عصابة من أصحابه – : (( بايعوني على ان لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا اولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم و ارجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله و من أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه فهو الى الله ان شاء عفا عنه و إن شاء عاقبه )) [متفق عليه، و اللفظ للبخاري : 18].

و يستثني من تكفير الذنب بالعقوبه و كونه في المشيئة " المرتد " المشار إليه في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم " وأن لاتشركوا بالله شيئا " فإذا قتل على الردة لم تكن العقوبة كفارة له ، واذا مات مرتدا لم يكن في مشيئة لقوله تعالى : { إن الله لايغير ان يشرك به } سواء عوقب في الدنيا على ردته ام لم يعاقب [انظر فتح الباري1/64].

2- المقتصدون فيه : الذين أدوا الايمان الواجب بتمامه ولم يقتصروا فيه ولم يزيدوا عليه بعد إتيانهم بأصل الايمان فهذا هو المؤمن المستحق للوعد السالم من الوعيد و ويستحق دخول الجنة بلا سابق عذاب بفضل الله حسب وعده الصادق و هذه الدرجة تسمى المقتصدين .

ومن الأولة على ذلك : قصه الاعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرائع الاسلام و أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بشرائع الاسلام ، فقال الاعرابي : ( والذي اكرمك بالحق لا اتطوع شيئا ولا انقص بما فرض الله عليّ شيئا ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قد أفلح ان صدق او دخل الجنة ان صدق )) [البخاري /1891].

قال ابن تيمية رحمه الله : ( من أتى بالايمان الواجب استحق الثواب , ومن كان فيه شعبة من نفاق [1] وأتى الكبائر فذلك من اهل الوعيد وايمانه ينفعه الله به و يخرجه به من النار ولو أنه مثقال حبة من خردل , لكن لايستحق به اسم المطلق [2] المعلق به وعد الجنة بلا عذاب ) [كتاب الايمان : 334 ، الايمان الاوسط : 67].

فائدة : العلم بالواجبات و النواهي التى تدخل في أصل الايمان و الايمان الواجب فرض عين على كل مسلم و منها ما يدخل في العلم الواجب العينى العام و فيها ما يدخل في العلم الواجب العينى الخاص و إنما كان العلم بها واجبا لأن العمل بها واجب و يترتب على التقصير فيه و عيد من كفر او فسق لان العمل هو المقصد و العلم وسيلة و القاعدة تقول " للوسائل حكم المقاصد" .

ثالثا – الإيمان المُستحب : وهو مازاد عن أصل الايمان والايمان الواجب من فعل المندوبات والمستحبات و ترك المكروهات و المشتبهات – و بعض المباحات عند السلف – فمن اتى بهذه المرتبة مع المرتبتين الأوليتين فهو من السابقين الذين يستحقون دخول الجنة ابتداء فى درجة اعلى من المقتصدين .

قال ابن تيمية رحمه الله : ( ويفرق بين الأيمان الواجب وبين الأيمان الكامل بالمستحبات كما يقول الفقهاء (الفعل ينقسم الى قسمين ، مجزىء وكامل فالمجزىء ما اتى بة بالواجبات فقط , والكامل واتى فية بالمستحبات ) [الايمان :186].

ويجمع المراتب الثلاثة لأهل الايمان قوله تعالى: { ثُمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهُم ظالم لنفسه ومنهُم مُقتصد ومنهُم سابق بالخيرات بإذن اللّه ذلك هُو الفضلُ الكبيرُ } [فاطر /32].

قال ابن تيمية رحمه الله : ( وهكذا جاء القرآن فجعل الأمة على هذه الأصناف الثلاثة ، قال تعالى : { ثُمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهُم ظالم لنفسه ومنهُم مُقتصد ومنهُم سابق بالخيرات بإذن اللّه } فالمسلم الذي لم يقم بواجب الايمان هو الظالم لنفسه و المقتصد هو المؤمن المطلق الذي عبدالله كأنه يراه ) [كتاب الايمان : 342].

عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( قال الله تعالى : { ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا. . . الاية } فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب واما الذين اقتصدوا فيحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون { الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن إن ربنا لغفور شكور } )) [رواه أحمد ، سورة فاطر /34 ، مصدر ابن كثير].

قال ابن عباس في تفسير هذه الآية : ( السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب و المقتصد يدخل الجنة برحمة الله و الظالم لنفسه وأصحاب الاعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ) .

فائدة : والصغائر تدخل في المرتبه الثالثة بشرط عدم الإصرار عليها – لاصغيره مع الاصرار و لاكبيرة مع الاستغفار –

قال ابن تيمية رحمه الله : ( و الرسول لم ينفه – يعني الايمان الواجب – إلا عن صاحب الكبيرة والإ قالوا ؛ من الذي يعمل الصغيرة هي مكفرة عنه بفعله للحسنات و اجتنابه الكبائر لكنه ناقص الايمان عن من اجتنب الصغائر فمن أتى بالايمان الواجب خلطه سيئات كفرت عنه بغيرها ونقص بذلك درجه عمن لم يأت بذلك ) [الايمان :337].

و قال ابن تيمية رحمه الله -عن الايمان – : ( هو مُركب من اصل لايتم بدونه ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة ) [مجموع الفتاوى /7 637].

ماالفرق بين الايمان الكامل و كامل الايمان ؟

الايمان الكامل : أي جمع الاعمال بمراتبه الثلاثة .

كامل الايمان : اي جزء من الايمان الذي يتم به مطلق الايمان .

[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان]

زيادة الإيمان و نقصانه والاستثناء فيه

الإيمان عند أهل السنة و الجماعة قول و عمل يزيد و ينقص , يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و المؤمنون يتفاضلون فيه .

تفاصل اهل الإيمان :
قال تعالى : { وإذا تُليت عليهم آياتُهُ زادتهُم إيمانا وعلى ربّهم يتوكّلُون } [الانفال /2] ، و قوله تعالى : { هُو الّذي أنزل السّكينة في قُلُوب المُؤمنين ليزدادُوا إيمانا مع إيمانهم } [الفتح /4] ، و قوله تعالى : { الّذين قال لهُم النّاسُ إنّ النّاس قد جمعُوا لكُم فاخشوهُم فزادهُم إيمانا وقالُوا حسبُنا اللّهُ ونعم الوكيلُ * فانقلبُوا بنعمة } [آل عمران /174] ، و قوله تعالى :{ وإذا ما أُنزلت سُورة فمنهُم من يقُولُ أيُّكُم زادتهُ هذه إيمانا فأمّا الّذين آمنُوا فزادتهُم إيمانا وهُم يستبشرُون * وأمّا الّذين في قُلُوبهم مرض فزادتهُم رجسا إلى رجسهم وماتُوا وهُم كافرُون } [التوبة: 124،125] ، و قوله تعالى : { ويزداد الذين آمنوا ايمانا } [المدثر : 31].

وعن ابي سعيد الخدري رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان )) [رواه مسلم].

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : (( فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من ايمان فأخرجوه ، فمن وجدتم في قلبه وزن ذرة من ايمان فاخرجوه )) [فتح الباري : 13/431 وكذا : 1/ 103].

أوجهه زيادة الإيمان و نقصانه :
إن زيادة الإيمان و نقصانه تكون تارة في اصل الإيمان حيث ان العلم و التصديق بعضه اقوى من بعض و تارة يكون باعمال القلوب كالمحبة و الخشية و الرجاء و نحوها و إن التصديق المستلزم لعمل القلب اكمل من التصديق الذي لا يستلزم عمله ، فالعلم الذي يعمل به صاحبه اكمل من العلم الذي لايعمل به . و تارة يكون زيادة الإيمان و نقصانه بالاعمال الظاهرة و الباطنة التى هي من الإيمان و الناس يتفاضلون فيها .

قال ابن تيمية رحمه الله : ( ولهذا كان اهل السنة و الحديث على أنه يتفاضل ) [فتح الباري : 1/1 ، كتاب الإيمان : 205 ، تعظيم قدر الصلاة للمروزي : 2809].

الإستثناء في الإيمان : و نعنى بالإستثناء في الإيمان هو تعليقه على مشيئة الله , كأن يقول الرجل " أنا مؤمن إن شاء الله ".

و الناس في هذا الأمر على ثلاثة أقوال :

1- منهم من يحرّمه : وهم المرجئة و الجهمية و نحوهم ممن يجعل الإيمان شيئا واحدا يعلمه الانسان من نفسه .

2- ومنهم من اوجبه وهم الاشعرية : وقالوا ان الإيمان هو ما ,مات عليه الانسان و الانسان انما يكون مؤمنأ وكافرا باعتبار الموافات .
وجعل بعضهم يستثنى في الكفر ايضا مثل ابو منصور الما تريدي ولكن الجماهير على خلاف ذلك و الاستثناء في الكفر بدعة .

3- و منهم من قال إنها سنة : و هم أهل السنة و الجماعة اهل الحديث و هو الصواب و لكن باعتبار آخر غير اعتبار الذين اوجبوه او حرموه :

قال ابن تيمية : ( و الاستثناء في الإيمان سنة عند أصحابنا [1] و اكثر اهل السنة ) .

و عن محمد بن الحسن بن هارون قال : " سألت ابا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان ، فقال : ( نعم الاستثناء على غير معنى الشك مخافة و احتياط للعمل ) .

وقد استثنى إبن مسعود و غيره وهو مذهب الثورى .

قال تعالى : { لتدخُلُنّ المسجد الحرام إن شاء اللّهُ آمنين } [الفتح / 27] .

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني لارجوا [2] ان اكون أتقاكم لله )) ، و قال أيضا في المّيت : (( و عليه نبعث إن شاء الله )) .

وقد بين أحمد أنه يستثنى مخافة و احتياطا للعمل فإنه يخاف ان لا يكون قد كمل المأمور به فيحتاط بالاستثناء و قال على غير الشك مما يعمل الانسان من نفسه و إلا فهو يشك في تكميل العمل الذي خاف أن لايكون كمله فيخاف من نقصه ولا يشك في أصله ) [كتاب الإيمان : 387].

قال ابن تيمية رحمه الله : ( فقد بين أحمد في كلامه انه يستثنى مع تيقنه بما هو الآن موجود فيه بقول – بلسانه – و قلبه لايشك في ذلك و يستثنى لكون العمل من الإيمان وهو لا يتيقن انه اكمله بل يشك في ذلك فنفي الشك و أثبت اليقين فيما يتيقنه عن نفسه ) [كتاب الإيمان / 388].

قال ابن تيمية رحمه الله : ( اما مذهب السلف أصحاب الحديث كإبن مسعود و أصحابه و الثوري و ابن عيينة و اكثر علماء الكونه و يحيى بن مسعودبن قطان فيما يرويه عن علماء اهل البصرة و أحمد بن حنبل و غيره من أئمة السنة فكانوا يستثنون في الإيمان و هذا متواتر عنهم ولكن ليس الاستثناء لاجل الموفات انما هو لان الإيمان يتضمن فعل الواجبات فلا يشهدون لانفسهم بذلك ) [كتاب الإيمان : 388].

[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان]

[1] أصحابنا ؛ يعنى الحنابله .
[2] لأرجوا ؛ تاتي بمعنى المشيئة .

التلازم بين الظاهر و الباطن

قد ثبت من أدلة القرآن و السنة ان مايظهر على البدن و الجوارح من اعمال و أقوال لابد ان يكون له تعلق بما في القلب من احوال إن خيرا فخير وان شرا فشر و التلازم بين الظاهر و الباطن قد اثبته اهل السنة و الجماعة و خالفهم فيه فرق المرجئة و سبب هذا الخلاف راجع الى الخلاف في تعريف الإيمان .

والاصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم ، عن عامر الشعبي قال : سمعت النعمان بن بشير يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( الحلال بين و الحرام بين و بينهما مشتبهات لايعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرع حول الحمى يوشك ان يرتع منه ألا وإن لكل ملك حمى الا ان حمى الله محارمه ألا و ان في الجسد مضغه اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب )) [رواه البخاري :53].

هذة القاعدة متفق عليها عن السلف و ليس عن المتبدعة .

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الاسلام علانية و الإيمان في القلب )) [رواه أحمد في المسند عن أنس رضى الله عنه : 3/ 134].

و قال سفيان ابن عيينه : ( كان العلماء فيما مضى يكتب بعضهم الى بعض بهؤلاء الكلمات ؛ " من أصلح سريرته اصلح الله علانيته و من صلح مابينه و بين الله أصلح الله ما بينه و بين الناس و من عمل لأخرته كفاه الله آخرته و دنياه " ) [رواه ابن ابي دنيا].

فان كان قلب عامرا بالإيمان انعكس على الجوارح ، و لما جاء في حديث العابث في صلاته : (( ولو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه )) .

قال ابن تيمية : ( واذا قام بالقلب التصديق به و المحبة له لزم ضرورة ان يتحرك البدن بموجب ذلك من الاقوال الظاهرة و الاعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الاقوال و الاعمال هو بموجب مافي القلب ولازمه و دليله و معلومه كما ان ما يقوم البدن من الاقوال و الاعمال له تأثير في القلب فكل منهما يؤثر على الأخر لكن القلب هو الاصل و البدن فرع له و الفرع يستق من اصله و الاصل يثبت و يقوى بفرعه ) [مجموع الفتاوى : 7/541].

وقال ابن رجب : ( و حركات الجسد نابعة لحركة القلب و إرادته فإن كان حركته و إرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله و إن كانت حركة القلب و إرادته لغير الله فسد و فسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب. . . و معنى هذا ان كل حركات القلب و الجوارح اذا كانت لله فقد كمل ايمان العبد بذلك ظاهرا و باطنا و يلزم من حركات القلب صلاح حركات الجوارح ) [جامع العلوم و الحكم : 65].

و هذة القاعده كما يقول الشاطبي : ( كلية التشريع و عمدة التكليف بالنسبة الى اقامة حدود الشعائر الاسلامية الخاصة و العامة ) [الموافقات للشاطبي : 1 / 233].

وقال ايضا : ( ومن هنا جعلت الاعمال الظاهرة دليلا على مافى الباطن فإن كان الظاهر منحرفا حكم على الباطن بذلك او مستقيما حكم على الباطن بذلك ايضا و هو اصل عام في الفقه و سائر الاحكام العاديات و التجربييات بل الاتفاق إليها من هذا الوجه نافع في جملة التشريع و كفى بذلك عمدة انه الحاكم بايمان المؤمن و كفر الكافر و طاعة المطيع و عصيان العاصي و عدالة العدل و جرح المجرح ) [الموافقات : 1/233].

قال ابن حجر : ( خص القلب لأنه امير البدن و بصلاح الامير تصلح الرعية و بفساده تفسد ) [فتح الباري : 1/ 128].

فائدة : يستثنى من هذه القاعدة من أتى بناقص من نواقص الاسلام القولية او العملية وكان يتوفر عنده أحد الموانع و مع وجود المانع حكم له بالسلام .

[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان]

الأحكام في الدنيا تبنى على الظاهر


إن الاحكام في الدنيا تجري على الظاهر و الله يتولّ ألسرائر لاننا لامعرفة لنا بالباطن و الله عز و جل تفرد بهذا الامر و انه تعبدنا بالاحكام الدنيوية حسب الأعمال و الاقوال الظاهرة فيحكم على الشخص بالاسلام بداية بمجرد الاقرار ولا يكتفي بهذا الاقرار بل يترك حتى دخول وقت العبادات و الفرائض و النواهي فيجب عليه الاتيان بالعبادات سواء فعلا او تركا فإن لم يفعل دلّ على بطلان إقراره فنثبت الاسلام الحكمي على الشخص حسب الظاهر اما الاسلام الحقيقي وهو اذا اتى الشخص بالاسلام الظاهري و الباطني و هو الرابح عند الله .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني لم أُؤمر ان انقب عن قلوب الناس )) [رواه مسلم].

قال ابن ألقيم رحمه الله : ( و لم يرتب تلك الاحكام على مجرد مافي النفوس من غير دلالة فعل او قول ) [اعلام الموقعين : 3/117].

قال الطحاوي : ( ولا نشهد عليهم بكفر ولاشرك ولا نفاق مالم يظهر منهم شيء و نذر سرائرهم الى الله ) ، قال الشارح ابن ابي العز : ( لأننا قد أُمرنا بالحكم بالظاهر و نهينا عن الظن و اتباع ماليس لنا به علم ) [شرح العقيدة الطحاوية].

قال ابن تيمية رحمه الله : ( وألاعراب و غيرهم كانوا إذا اسلموا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الزموا بالاعمال الظاهرة ، كالصلاه الزكاة و الصيام و الحج ) [مجموع الفتاوى : 7/ 258].

قال ابن رجب : ( من اقر بالشهادتين صار مسلما حكما فإذا دخل في الاسلام بذلك الزم ببقية خصال الاسلام ) [جامع العلوم و الحكم : 21].

قال ابن حجر : ( قال القرطبي ؛ ثم الصحابه حكموا باسلام من اسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد الاوثان فقبلوا منهم الاقرار بالشهادتين و التزام احكام الاسلام من غير إلزام بتعلم الادلة ) [فتح الباري : 13 / 399].

و قال ابن حجر ايضا : ( وكلهم أجمعوا على ان احكام الدنيا تجري على الظاهر و الله يتولى السرائر ) [فتح الباري :12 / 273].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أُمرت ان أُقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و اموالهم الا بحق الاسلام و حسابهم على الله )) [متفق عليه].

وجه الاستدلال : طلب النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال الظاهرة " اسلام حكمي " .

قال ابن تيمية رحمه الله في شرح هذا الحديث : ( معناها اني أُمرت ان أقبل منهم ظاهر الاسلام و أكلُ بواطنهم الى الله فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقم الحدود بعلمه ولا بخبر الواحد ولا بمجرد الوحي ولا بالدلائل و الشواهد حتى يثبت موجب للحد ببينة او إقرار , الا ترى كيف اخبر عن المرأة الملاعنة انها جاءت بالولد على نعت كذا فهو للذي رميت به و جاءت على نعت المكروه فقال لولا الإيمان لكان لي ولها شأن وكان بالمدينة إمرأة تعلن الشر فقال " لو كنت راجما احدا من غير بينة لرجمتها " ، و قال للذين اختصموا اليه " إنكم تختصمون إليّ و لعل بعضكم الحن حجة من بعض فاقضي نحوما اسمع فمن قضيت له من حق اخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " و ايضا ترك قتل المنافقين مع كونهم كفارا لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعيه ) [الصارم المسلول].

و عن أُسامة بنُ زيد رضى الله عنه قال : ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية و صّبحنا الحرمات من جهينه فأدركت رجلا فقال ؛ " لاإله الا الله " فطعنته ، فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقال لا إله الا الله و قتلته ؟! " ، فقال : قتلته يارسول الله ، إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : " أشققت عن قلبه حتى تعلم اقالها أم لا ؟! " ، فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت انى أسلمت يومئذ ) [رواه مسلم].

قال النووي في شرحه : ( قوله صلى الله عليه وسلم " أشققت عن قلبه " فيه دليل على القاعدة المعروفة في الفقه و الأصول ان الاحكام يعمل فيها بالظواهر و الله يتولى السرائر ) [شرح مسلم للنووي : 2/107].

و قال ابن تيمية رحمه الله : ( و لا خلاف بين المسلمين ان الحربي اذا أسلم عند رؤية السيف و هو مطلق او مقيد يصح اسلامه و تقبل توبته من الكفر و ان كانت دلالة الحال تقتضي ان باطنه خلاف ظاهره ) [ الصارم المسلول : 329].

وعن مقداد بن الاسود رضى الله عنه انه قال : ( يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرايت ان لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدىّ بالسيف فقطعها ثم لاذ عنى بشجرة ، فقال " أسلمت لله " أفاقتله ؟ ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لاتقتله فإنه بمنزلتك قبل ان تقتله و انك بمنزلته قبل ان يقول الكلمه التى قالها )) [متفق عليه].

قال النووي رحمه الله : ( " فإنه بمنزلتك .. الحديث " ، فأحسن ما قيل فيه و أظهره ما قاله الامام الشافعي و ابن قصار المالكي و غيرهما ان معناه فإنه معصوم ألدم محرم قتله بعد قوله " لا إله الا الله " كما كنت انت قبل ان تقتله ، و انك بعد قتله غير معصوم الدم و لامحرم ، كما كان هو قبل قوله " لاإله الا الله " ) [شرح مسلم للنووي 2/106].

عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال : قام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال : ( يا رسول الله إتق الله ! ) ، فقال : (( ويلك او لست أحق اهل الارض ان يتق الله )) ، قال : ثم ولىّ الرجل ، فقال خالد بن الوليد : ( يارسول الله ألا اضرب عنقه ؟ ) ، فقال : (( لا لعله أن يكون يصلي )) ، قال خالد : ( وكم من مصل يقول بلسانه ماليس في قلبه ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اني لم أؤمر ان انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) ، قال : ثم نظر إليه وهو مقف ، فقال : (( إنه يخرج من ضيءضىء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميةّ لئن ادركتهم لأقتلنهم قتل ثمود )) [رواه مسلم].

وجه الدلالة : " لم أُؤمر أن أنقب عن قلوب الناس " ، إقرأ تفصيل هذه الحادثه في صحيح البخاري مجلد 1، باب استنابه المرتدين .

عن علي بن ابي طالب رضى الله عنه ، قال : ( خرج عبدان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، قبل الصلح فكتب اليه مواليهم ، فقالوا : يا محمد و الله ما خرجوا اليك رغبة في دينك و انما خرجوا هربا من الرّق ، فقال ناس : صدقوا يارسول الله ردهم إليهم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و قال " ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا " . . . و أبى أن يردهم ، و قال هم عتقاء الله عز و جل ) [صحيح سنن ابي داوود 2329].

و سأل ميمون ابن سياه أنس ابن مالك ، قال : ( يا ابا حمزة ما يحرم دم العبد و ماله ؟ ) ، فقال : ( من شهد أن لاإله الا الله و استقبل قبلتنا و صلى صلاتنا و أكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم و عليه ما على المسلم ) [البخارى : 323].

قال ابن حجر : ( و فيه ان امور الناس محمولة على الظاهر فمن أظهر شعائر الدين أُجريت عليه أحكام أهله مالم يظهر منه خلاف ذلك ) [فتح البارى : 1/ 497].

و يقول الله عز وجل : { ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا } .

سبب نزول هذه الآية : قال ابن عباس : ( كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون ، فقال " السلام عليكم " ، فقتلوه ، و أخذوا غنيمته ، فأنزل الله في ذلك الى قوله { عرض الحياة الدنيا } ، تلك الغنيمة ) [فتح الباري : 8/258].

و عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبدالمطلب حين انتهي به الى المدينة : (( يا عباس أفد نفسك و ابني اخيك عقيل ابن ابي طالب و نوفل بن الحارث و حليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال )) ، فقال : ( يا رسول الله و اني كنت مسلما و لكن القوم استكرهوني ) ، فقال : (( الله اعلم باسلامك ان يكن ما كان حقا فالله يجزيك به فأما ظاهر امرك فقد كنت علينا فافد نفسك )) [رواه البخاري].

و عن عبد الله بن عتبه بن مسعود قال : سمعت عمر ابن الخطاب رضى الله عنه يقول : ( إنّ ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و إنّ الوحي قد انقطع و انما نأخذكم الان بما ظهر لنا من اعمالكم فمن اظهر لنا خيرا أمّناه و قربناه و ليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه و لم نصدقه و إن قال ان سريرته حسنة ) [رواه البخاري].

و القاعدة الاصولية : انه لايصح صلاح العمل مع فساد النيه ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من المنافقين ظاهرهم الدال على اسلامهم مع علمه انهم كفار في الباطن .

و في سيرة خالد بن الوليد رضى الله عنه في مسيره الى اهل اليمامة لما ارتدوا قدّم مائتي فارس ، و قال من أصبتم من الناس فخذوهم ، فأخذوا مجاعة ابن مرارة في ثلاث و عشرين رجلا من قومه فلما وصل الى خالد قال له : ( يا خالد لقد علمت انني قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فبايعته على الاسلام ، وانا اليوم على ما كنت عليه امس فإن يك كذّاباُ قد خرج فينا فإن الله يقول { ولا تزر وازرة و زر اخرى } ) ، فقال : ( يا مجاعة تركت اليوم ما كنت عليه امس و كان رضاك بامر هذا الكذاب و سكوتك عنه و أنت أعز اهل اليمامة و قد بلغك مسيري اقرارا و رضاء بما جاء به ، فهل لا أبيت عذرا و تكلمت فيمن تكلم ، فإن قلت اخاف قوم ، فهلا عمدت اليّ او بعثت الي رسولا ، فقد تكلم اليشكُريُّ و ثمامه بن اثال ) , قال : ( ان رأيت يا ابن المغيرة ان تعفوا عن كل هذا لله ) , فقال : ( قد عفوت عن دمك و لكن في نفسي حرج من تركك ) [مجموعه التوحيد : 239 ، راجع كتب حروب الردة].

كذلك فإن اهل السنة و الجماعة يرون الصلاة خلف مستور الحال من دون ان يسأل عن عقيدته و حقيقة باطنه .

قال ابن تيمية رحمه الله : ( و تجوز صلاة خلف كل مستور حال بإتفاق الأئمة الاربعة و سائر أئمة المسلمين فمن قال لاأصلي جمعة و لاجماعة الا خلف من اعرف عقيدته في الباطن فهذا مبتدع مخالف للصحابة و التابعين لهم باحسان و أئمة المسلمين الاربعة و غيرهم ) [مجموعه الفتاوي : 4/ 542].

[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان]

علامات الإسلام الحكمي الظاهري

وهي علامات اذا ظهرت من شخص حكم باسلامه و يجب ان تكون من خصائص الإسلام التي لا يشارك بها احد غير المسلمين فالصدقة و بر الوالدين و اغاثة الملهوف و غيرها كلها من شعب الإيمان و لكن لا يختص بفعلها المسلم بل يفعلها الكافر والمسلم .

ومن علامات الحكم بالاسلام :

1- النطق بالشهادتين : لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (( امرت ان اقاتل الناس. . . الحديث )) [نيل الاوطار : 8 /12 ، المغني مع شرح الكبير :10/100، أُنظر نيل الأوطار :8 / 154].

2- قول الشخص إني مسلم : و قوله أسلمت لله , لحديث مقداد بن الاسود او حادثة قتل اسرى بدو جديمة – حادثة خالد بن الوليد – [نيل الاوطار : 8/9].

3- الصلاة منفردا او في جماعة : لحديث أنس رضى الله عنه : (( من صلي صلاتنا. . . الحديث )) [البخاري :393].

4- رفع الأذان : لانه متضمن للشهادتين [فتح الباري : 2/90] ، و يراجع سبب نزول الآية { إن جاءكم فاسق بنبأ }.

5- الحج : و فيه خلاف لأن المشركين كانوا يحجون و الصحيح أنه علامة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منعهم عن ذلك عام تسعة هجري و أعلمهم بذلك (( لايحج بعد العام مشرك )) [الحديث رواه البخاري] ، و يراجع سبب نزول سورة التوبة الآية 3-4 .

6- شهادة رجل مسلم له : كشهادة النبي صلى الله عليه وسلم للنجاشى لما صلى عليه و شهادة ابن مسعود باسلام سهيل ابن حنياء [نيل الاوطار : 8/3].

7- التبعية للوالدين المسلمين أو أحدهما : وهذه تحكم بها باسلام الطفل قبل البلوغ .

أما القرائن التى لايحكم بها الا بعد التثبت ـ فهى :

1- تحية الاسلام : فمن ألقى السلام فهى قرينة على أسلامه وليست قاطعة أذ يقولها الكافر مجاملة وتقية [القرطبى فى تفسيره : 5 :339 ، أبن حجر :8 /209] ، أنظر سبب نزول أيتى: { ولا تقولو لمن ألقى أليكم ألسلام. . . الاية } .

2- الهدى الظاهر – السما – : كالثياب و اللحية والشعر والعمامة .

قال محمد بن حسن الشيباني : { وأذا دخلو المسلمين أو مسلمون مدينة من مدائن المشركين عنوة – قوة – فلا بأس ان يقتلوامن لقوا من رجالهم ألا ان يروا رجلا عليه سيماء المسلمين أو سيماء أهل الذمة للمسلمين فحينئذ يجب عليهم أن يثبتوا من أمره حتى يتبين لهم حاله } ، وأتى بدليل : { سيماهم فى وجوههم من أثر السجود } ، وهناك أمور أخرى يستدل بها على الاسلام الحكمي كتلاوة القرأن و ألأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الجهاد [السير الكبير :4 /1444].

[إعداد قسم الإفتاء والبحوث في جماعة أنصار الإسلام في كردستان]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.