أسس تربوية لتقويم غطرسة صغيرك
يؤكّد خبراء علم النفس في "مركز أبحاث الأطفال" بالولايات المتحدة الأميركية (The Childrens Research Centre) أنّ الغطرسة صفة سيِّئة تصيب الطفل في سنوات عمره الأولى التي تُعرف بـ"مراحل التغطرس المبكرة" نتيجة حدوث خطأ في التنشئة بدفعه إلى الإعتقاد بأنّه أفضل من غيره. وغالباً ما تكون علاقات هذا الطفل الإجتماعية محدودة بسبب تركيزه على ذاته وعدم إهتمامه بالآخرين.
في هذا الموضوع نطلع قرائنا الاعزاء على الأخطاء التربوية المؤدّية إلى ظهور صفة الغطرسة والتعجرف لدى الأطفال دون العاشرة وأبرز النصائح السلوكية المساعدة على التصدّي لها من خلال معلومات مستمدّة من مديرة ومستشارة "مركز إيلاف" الدكتورة عفاف زقزوق.
قد يخطئ بعض الآباء في فهم سلوك الغطرسة لدى صغيره الذي لا يتجاوز السنوات العشر، ويفسّر تصرّفاته بأنّها تنمّ عن ذكاء أو ثقة كبيرة في النفس، إلا أنّ ملاحظات الصغير التلقائية أو إعتراضه السريع أو عزوفه عمّن يحوطه ما هي إلا بوادر لظهور صفة التعجرف في سلوكه. وفي هذا الخصوص، يؤكّد التربويون أنّ الكشف عن السبب الحقيقي الكامن خلف هذه الغطرسة سوف يساعد إيجاباً على تقويم سلوكه.
هذه لمحة أبرز الأسباب الشائعة التي تكمن خلف إصابة الطفل بالغطرسة والغرور:
* لفت الإنتباه: يميل الطفل في هذه المرحلة المبكرة إلى إظهار مواهبه ومهاراته وإثبات ذاته بهدف لفت الإنتباه ونيل الثناء، ما قد يصيبه بالغرور مع مرور الوقت والإفراط في مدحه.
* الشعور بالغيرة: يعتري الطفل الشعور بالغيرة والإستياء نتيجة مقارنة قدراته بقدرات إخوانه أو أقرانه، ما يجعله يواصل إظهار مواهبه وإستعراض قدراته بهدف إكتساب إعجاب الآخرين وتعزيز شعوره بأنّه الأفضل على الدوام.
* فخر الآباء: يؤدِّي إفتخار الوالدين بمواهب صغيرهما خلال سنواته الأولى إلى شعور هذا الأخير بأنّه مركز هذا الكون، ما يجعله يغرق في إعجابه بذاته وبقدراته الفريدة.
* إغفال العيوب: من الملاحظ أن دلال الوالدين المفرط للصغير والإمتناع عن توجيه سلوكه والإرشادة غير الواقعية بقدراته، مصحوبة غالباً بإغفال عيوبه ونقاط ضعفه تشكّل أبرز أسباب شعوره بأنّه الأفضل على الإطلاق!
* شغف المنافسة: يهتمّ بعض الآباء بتنمية مشاعر المنافسة لدى الطفل بهدف الفوز منذ الصغر، وذلك بإقناعه أنّ معدّل ذكائه يتجاوز أقرانه، ما يؤدِّي به إلى الثقة المفرطة في النفس والتي قد تبلغ حدّ الغرور والتعالي على الآخرين.
– إرشادات تقويمية:
يستهلّ تقويم السلوك النفسي للطفل المتغطرس بتغيير طريقة تعامل الوالدين معه، من خلال الخطوات الخمس التالية:
1- مساعدته على ملاحظة ردّ فعل الآخرين: يعتبر تنبيه الطفل إلى تأثير سلوكه المتغطرس أداةً فعّالة في تقويم سلوكه. وفي هذا الإطار، ينصح الخبراء التربويون باتّباع الطرق التالية:
* لفت إنتباه الطفل إلى امتعاض أصدقائه منه.
* مساعدته على تقمّص دور الطرف الآخر، ما يجعله يدرك الشعور عينه تجاه تصرّفاته المتعجرفة.
* توجيه أفكاره إلى النتائج التي قد تترتّب على تعاليه المستمر على الآخرين، وخصوصاً عزوف أقرانه عند وافتقاره إلى العلاقات الإجتماعية مع من حوله.
2- تنمية الشعور الشخصي والأداء: يجدر توجيه سلوك الطفل إلى أنّ التقييم الصحيح للفرد يكون وفق الشخصية والأداء معاً. وفي هذا الإطار، يحدّد الخبراء التربويون بعض الطرق التي تساعد الآباء على تعزيز مفهوم الشخصية في نفوس أطفالهم، أبرزها:
* التخفيف من المكافآت المستمرّة وعدم التركيز على تنمية شعور الفخر لدى الطفل كونه أنجز الشيء بنفسه.
* إستبدال أسلوب المنافسة الدائم بدور روح الفريق، مع إفهمامه بأن نجاحه يعتبر فخراً للجميع.
* التركيز على الجهد وليس النتيجة النهائية من خلال تقدير كل الجهود المبذولة.
* تنمية المشاعر الإيجابية في نفس الطفل كالحب غير المشروط بتحقيق النتائج أو إستعراض القدرات والمواهب أمام الآخرين.
3- البدء بتقدير إنجازات الآخرين:
ممّا لا شك فيه أنّ الطفل المتغطرس يركّز بشكل دائم على نقاط قوته ويتجاهل أداء الآخرين. ولعلّ أبرز دعائم تقويم غطرسته تكمن في مساعدته على رؤية إنجازات الآخرين ونجاحاتهم. وهذه أهمّ الإستراتيجيات التي تساعد الطفل على الشروع في تقدير إنجازات غيره والإعتزاز بها:
* الإهتمام بتحية الآخرين أمام الطفل والتركيز على تكرار بعض العبارات البسيطة على مسامعه بإستمرار كـ"مرحباً" أو "كيف الحال؟". فالتحية البسيطة تشكّل الخطوة الأولى في تنشئة الطفل على الإحساس بالغير وعدم تعاليه عليه أو دفعه إلى التمركز حول ذاته.
* تنمية صفة تشجيع الآخرين:
يفتقر الطفل المتغطرس، رغم إنجازاته، إلى حبّ الآخرين وتشجيعهم له. ويجدر بالوالدين مساعدة طفلهما على البدء بنفسه والقيام بتشجيع أقرانه لتوثيق العلاقة بينهم من خلال تعويده على إستخدام بعض العبارات المشجّعة وتكرارها أمامه بشكل مستمر إلى أن يقوم بها من تلقاء نفسه.
* الإشادة بأداء الآخرين: تقلّل هذه الإشادة من غروره بإنجازاته وتحدّ من غطرسته، كما تشعره بأن غيره يستحق منزلته وأنّه لا يوجد فارق بينهما يدعو إلى الغرور أو التعالي.
4- تنمية حسّ التواضع والرأفة بالآخرين: يرى علماء النفس أن تنشئة الطفل على حب الغير والتواضع والرأفة بالضعفاء يجنّبه شعور التعالي وحب الذات، كما أن معاملته بطريقة متوازنة بدون دلال مفرط تنمّي لديه مجموعة من الصفات الطيّبة (إحترام الآخرين والرفق بالحيوان وطاعة الوالدين والعطف على المحتاج).
5- تعزيز النتائج: يجدر بالآباء تسجيل التغييرات السلوكية التي تطرأ على تصرفات أطفالهم، مع تعزيزها إيجابياً في صغرهم. وإذ يجد التربويون أن تنشئة الطفل على إظهار مواهبه وقدراته بهدف الفخر بها قد تنمّي لديه إحساس التعالي والغرور على أقرانه والذي قد يلازمه في مراحله العمرية المتقدّمة كوسيلة لكسب تأييد الآخرين والشعور بأنّه الأفضل على الدوام.
– نصائح سلوكية:
* عزّزي روح المشاركة لدى طفلك ولا تكوني عائقاً أمام نواياه الحسنة في مساعدة الآخرين، فقد أوضح الباحثون أنّ الطفل المتغطرس لا يولد مع هذه الصفات، وإنما يكتسبها نتيجة التفكير في نفسه دون الآخرين.
* إذا لاحظت أن طفلك مصاب بالغرور، فلا تقومي بتعنيفه أمام أصدقائه بل اتبعي طريقة غير مباشرة في لفت إنتباهه كي لا تتسببي في إحراجه أمامهم.
* اتّبعي أسلوباً تربوياً متدرّجاً في تقويم سلوك طفلك، ولا تتعجّلي النتائج، من خلال الحوار العقلي القائم على الإقناع وليس الإلزام.
* كافئي طفلك على تميّزه بين أقرانه عبر إعداد برامج ترفيهية بمشاركة أصدقائه، ما يعزّز لديه شعور الجماعة ويقلل مت تركيزه على ذاته وإفتخاره بنفسه.
* أشعري طفلك بحبّك المستمر له وفخرك به بغضّ النظر على النتائج التي يحقّقها.
* اهتمّي بتنمية الصفات الإيجابية في شخصية طفلك ولا تشعريه بالدونيّة أو النقص في قدرته ما يدفعه إلى الإنطواء على نفسه وعزوف أصدقائه عنه بسبب إعتقادهم أنّه متعالٍ عليهم، ما يزيد الأمر سوءاً.