إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دق منها وما لطف، ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف، فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك معنى اللطف، ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلا لله سبحانه وتعالى، ورفقه تعالى في الأفعال ولطفه فيها، لا يدخل تحت الحصر، إذ لا يعرف اللطف في الفعل إلا من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق الرفق فيها، وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع المعرفة لمعنى اسم- اللطيف- فمن لطفه خلقه الجنين في بطن أمه في ظلمات ثلاث، وحفظه فيها، وتغذيته بواسطة السرّة، إلى أن ينفصل فيستقل بالتناول بالفم، ثم إلهامه إياه عند الانفصال التقام الثدي وامتصاصه ولو في ظلام الليل، من غير تعليم ومشاهدة، بل يتفقأ البيضة عن الفرخ، وقد ألهمه التقاط الحب في الحال، ثم تأخير خلق السن عن أول الخلقة إلى وقت الحاجة للاستغناء في الاعتذاء باللبن عن السن، ثم إنباته السنّ بعد ذلك عند الحاجة إلى طحن الطعام، ثم تقسيم الأسنان إلى عريضة للطحن، وإلى أنياب للكسر، وإلى ثنايا حادة الأطراف للقطع، ثم استعمال اللسان، الذي الغرض الأظهر منه النطق، في رد الطعام إلى المطحن كالمجرفة. ولو ذكر لطفه في تيسير لقمة يتناولها العبد من غير كلفة يتجشمها، وقد تعاون على إصلاحها خلق لا يحصى عددهم، من مصلح الأرض وزارعها وساقيها وحاصدها ومنقيها وطاحنها وعاجنها وخابزها إلى غير ذلك، لكان لا يستوفى شرحه على الجملة، فهو من حيث دبّر الأمور حكم، ومن حيث أوجدها جواد، ومن حيث رتّبها مصور، ومن حيث وضع كل شيء موضعه عدل، ومن حيث لم يترك فيها دقائق وجوه الرفق لطيف، ولن يعرف حقيقة هذه الأسماء من لم يعرف حقيقة هذه الأفعال ومن لطفه بعباده أنه أعطاهم فوق الكفاية وكلّفهم دون الطاقة.
المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى