بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ محي الدين السنة قامع البدعة أبو عبد الله الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله ورضى عنه.
قاعدة جليلة اذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه،
والق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه اليه فانه خطاب منه لك على لسان رسوله قال تعالى (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد) وذلك ان تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ومحل قابل وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد فقوله (ان في ذلك لذكرى) اشار الى ما تقدم من أول السورة الى ههنا وهذا هو المؤثر وقوله (لمن كان له قلب) فهذا هو المحل القابل والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى (إن هو الا ذكر وقرآن مبين) لينذر من كان حيا أي حي القلب وقوله (أو ألقى السمع) أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه الى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام وقوله (وهو شهيد) أي شاهد القلب حاضر غير غائب، قال ابن قتيبة استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه وهو اشارة الى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله فاذا حصل المؤثر وهو القرآن والمحل القابل وهو القلب الحي ووجد الشرط وهو الاصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه الي شيء آخر حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر
فان قيل اذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه فما وجه دخول أداة أو في قوله
أو القى السمع والموضع موضع واو الجمع لا موضع أو التي هي لأحد الشيئين قيل هذا سؤال جيد والجواب عنه أن يقال خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو فأن من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الحق وشهد قلبه بما أخبر به القرآن فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة وهذا وصف الذين قيل فيهم (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق) وقال في حقهم (الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) فهذا نور الفطرة على نور الوحي وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي قال ابن القيم وقد ذكرنا ما تضمنت هذه الآية من الأسرار والعبر في كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه فهو يقرأها عن ظهر قلب ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد واعي القلب كامل الحياة فيحتاج الى شاهد يميز له بين الحق والباطل ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي فطريق حصول هدايته ان يفرغ سمعه للكلام وقلبه لتأمله والتفكير فيه وتعقل معانيه فيعلم حينئذ انه الحق فالأول حال من رأى بعينه ما دعى اليه وأخبر به والثاني حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال يكفيني خبره فهو في مقام الايمان والأول في مقام الاحسان هذا قد وصل الى علم اليقين وترقي قلبه منه الى منزلة عين اليقين وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الاسلام فعين اليقين نوعان نوع في الدنيا ونوع في الآخرة فالحاصل في الدنيا نسبته الى القلب كنسبة الشاهد الى العين وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة بالابصار وفي الدنيا بالبصائر فهو عين يقين في المرتبتين .
جزاك الله خير على الموضوع القيم
نعــم لو أحسسنــآ أو أدركـــنآ أن الله
هو من يخــآطبنــآ بتلكـ الآي الجليلآت
فحتمــآ ستتغير نظرتنــآ وطريقتنــآ في القرآءة
وسنبدؤ نحرص أشد الحرص على إتقــآنهــآ ،،
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنــآ
ونور صدورنــآ ، وجلآء همّــنآ ، وذهـــآب حزننــآ
شكــرآ عالتذكرة أخيي
حيــآك الله وبيآك وفي الفردوس الأعلى جمعنــآ وإيــآكـ