تخطى إلى المحتوى

شرف النفس 2024.

قال شقيق بن إبراهيم‏‏‏:‏ أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء‏:‏

اشتغالهم بالنعمة عن شكرها ، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها‏.‏

قلت‏:‏ وأصل ذلك عدم الرغبة والرهبة ، وأصله ضعف اليقين ، وأصله ضعف البصيرة ، وأصله مهانة النفس ودناءتها واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير‏.‏ وإلا فلو كانت النفس شريفة كبيرة لم ترض بالدون‏.‏ فأصل الخير كله بتوفيق الله ومشيئته وشرف النفس ونبلها وكبرها‏.‏ ‏ «‏وقد خاب من دساها‏» ‏ ‏سورة الشمس ، الآية رقم 9-10‏‏، أي أفلح من كبرها وكثرها ونماها بطاعة الله، وخاب من صغرها وحقرها بمعاصي الله‏.‏

فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار‏.‏ فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجلّ ، والنفس المهنية الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك‏.‏ فكل نفس تميل إلى ما يناسبها و يشاكلها ، وهذا معنى قوله تعالى‏:‏ ‏ «‏قل كل يعمل على شاكلته‏» ‏ ‏الإسراء ‏:‏ 84‏‏، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته التي ألفها وجبل عليها ‏.‏ فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبته والثناء عليه والتودد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله‏.‏

الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.