بلال.. أول مؤذن بالإسلام وشارك بتحرير الكعبة من الأوثان
تروي الحلقة 12 من برنامج رجال حول الرسول على "العربية"، والذي يُبث الساعة 5:20 بتوقيت السعودية، قصة حياة الصحابيين بلال بن رباح وعبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنهما.
لأول مرة في التاريخ، منذ السنة الأولى للهجرة، انتشر نداء في أرجاء الدنيا، ولم ينقطع، وأصبح هذا الصوت، وهذه الكلمات، نداءَ المسلمين المميز للصلاة. وكان أولَ صوتٍ انطلق بهذا النداء هو صوتُ الصحابي الجليل بلالُ بنُ رباحٍ الحبشي، رضي الله عنه.
بلال بن رباح
بلالُ بنُ رباح، نموذجٌ لفئةٍ من المستضعفين في الأرض، سارعتْ إلى الدخولِ في دين الله، بعد أن رأتْ فيه ملاذاً لها من نظامِ الرق والاستعباد الذي وجدت نفسها فيه، وجاء الإسلامُ ليحررَها منه.
كان بلالٌ قبل إسلامِه يسمعُ زعماءَ قريشٍ وهم يتحدثون عن الرسولِ الذي جاء بدينٍ يدعو إلى عبادةِ الله وحده، ويحثُّ على المساواةِ بين البشر.
ذهب بلالٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلنَ إسلامه، فانتشر الخبر في مكة، وعلم سيدُه أميةُ بنُ خلف بالأمر، فغضب غضباً شديداً، وراح يعذبُه أبشعَ أنواعِ العذاب. لكن بلالاً ظل صابراً مصمماً على التمسك بدينه.
في ذلك الوقت كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أشد الناس حرصاً على حمايةِ المستضعفين من المؤمنين، بشرائِهم من سادتهم وإعتاقِهم. وهذا ما فعله مع بلال.
ظل بلالٌ بعد تحريرِه ملازماً للرسولِ صلى الله عليه وسلم، ثم هاجرَ إلى المدينة المنورة التي انطلق فيها صوتُه بالأذان.
ارتقت مكانةُ بلالٍ في الإسلام، وهو يقاتِلُ إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم دفاعاً عن الدعوة التي آمن بها. وشاءت إرادة الله أن تكونَ على يدِه في معركةِ بدر نهايةُ أميةَ بنِ خلف الذي عذبه بعد إسلامه.
ويوم فتحِ مكة كان بلالٌ إلى جانبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدخلُ الكعبةَ ويطهرُها من الأوثان. وكما كان صوتُه أولَ صوتٍ ينطلق بالنداءِ فوق المسجدِ النبوي في المدينة، فها هو صوته ينطلقُ من فوقِ الكعبة، معلنا تحريرَها ومنادياً للصلاة.
وبعد وفاة النبيِ صلى الله عليه وسلم اشتد الحزنُ ببلال، فاستأذنَ في الخروج إلى الشام. وشارك هناك في معركة اليرموك، ثم في فتح دمشق، وتنقل في أكثرَ من موضع في بلاد الشام. وكان يرفعُ النداءَ بالصلاة أينما حل.
ويقال إن بلالاً انضمَ إلى عمرَ بنِ الخطاب عندما جاءَ لفتحِ بيت المقدس، وأنه رفعَ الأذان هناك، ليعلوَ صوتُه على أرض المسجدِ الأقصى، ثالثِ الحرمين الشريفين، وقِبلة المسلمين الأولى.
أمضى بلال شطرا من حياته في دمشق، إلى أن توفي سنة عشرين للهجرة، ودفن في مقبرة الباب الصغير، على أرجح الأقوال، وهي مقبرةٌ تضمُّ رفاتَ كثيرٍ من الصحابة.
وفي بلادِ الشام مقاماتٌ أخرى لبلالٍ رضي الله عنه، يَبدو أنها ترتبط بالأماكن التي كان يزورُها ويرفعُ فيها النداءَ للصلاة.
ومن أبرزِ مقامات بلالِ بنِ رباحٍ الشهيرة، مقامٌ إلى الغربِ من بلدة وادي السِّير في ضواحي عَمّان بالأردن.
عبدالله بن أم مكتوم
صحابي آخر، علا صوتُه بالأذانِ في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبدُ الله بنُ أمِّ مكتوم، وكان كثيراً ما يتناوبُ الأذانَ والإقامةَ مع بلال، أو ينوبُ عنه عندما يخرج من المدينة في غزوةٍ أو سواها. وهو ابنُ خالِ خديجةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها. وله مقام في دمشق في المقبرةِ نفسِها التي تضمُ مَقامَ بلالِ بنِ رباح رضي الله عنهما.
وعبد الله بن أم مكتوم من المسلمين الأوائل في مكة، ولم يَسلم بسبب ذلك من الأذى. وكان من أوائل المهاجرين إلى المدينة. وظل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستخلفه عليها في غزواته، ليصلي بالناس. وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة طلب من عمر بن الخطاب أن يرافق جيش سعد بن أبي وقاص الذي كان متوجها لقتال الفرس في العراق، رغم أنه كان مكفوف البصر.
وكان حريصا على حمل راية المسلمين يوم القادسية. وقد كُتبتْ له الشهادةُ في ذلك الموقفِ العظيم. أما مقامُه في دمشق فربما يكون إشارةً إلى أنه مرَّ بهذه المدينة.