والسؤال الآن ذو البعد المجتمعي : إذا كان مَن فَعلَ الفعلةَ هو " أشقاها " وهو ، مهما كان شقياً ، شخصٌ واحدٌ ، فلِمَ جاء القول الإلهي : " فدمدم عليهم " بصيغة الجمع ؟ .
إن الإسلام ، وهو دين الفطرة ، يؤسس لمستويين من مستويات المسؤولية : المستوى الفردي : " لا تزر وازرة وزرَ أخرى " ، ومستوى جمعي : " وتواصوا بالحق ، وتواصوا بالصبر " .
إن من قام بعقر الناقة هو " فرد " ، لكن " المجتمع " أثِمَ معه من حيث هو ، بأفراده ، شركاء في هكذا فعل أثيم ، إما بالاشتراك بمفهومه الفعلي ، وإما بالاشتراك بمفهومه الضمني الذي هو أمر من اثنين : إما السكوت عن الفعل ، وإما استحسان الفعل . فمستحسِن الفعل شريكٌ رئيس مع فاعل الفاعل من حيث هو ، عبْر استحسانه ، محرّضٌ للفاعل على فعله . وأما الساكت ، فهو ، بسلبيته ، يجعل الفاعلَ قوياً على فِعْله ، من حيث إنه لم يجد من يقف بوجهه ، ولو بالإنكار … : " به فابدأ ، فإنه رأى المنكرَ منكراً ولم يتغيرْ وجهُه من أجلي " .
إن اصحاب السفينة التي اقتسموا ملكيتّها ، لو تركوا أحدَهم ، رغم أنه مالكٌ ، يعبث بالجزء الذي امتلكه ، فسوف يعم الغرق لا الجزء المعبوث به ، بل السفينة كلها ، لذا يصبح واجباً على باقي " المُلّاك " منع هذا المالك أن يتصرف بما يضر المجموع ، حتى لو كان تصرفه إنما هو في " مِلكه " .
وكذلك الأمر هنا : وقع العقاب لا على " العاقر " وحده ، ولم ينجُ بقية الناس من قوم صالح ، بل وقع العقاب عليهم جميعاً ، لأنهم لم يمنعوه ، وعدم المنع يحمل ، بشكل ما ، معنى الاستحسان ، ذلك المصوغ في المثل الشعبي " السكوت علامة الرضا " .
إن الإسلام ، في شقه التشريعي ، يجعل التكافل الاجتماعي واحداً من صور " دفع الله الناس بعضهم ببعض " ( = سنة التدافع ) ، وهذا لا يتعارض مع المسؤولية الفردية في الآخرة ، لأن من صور الإثم ألا يتناصح الناس ، وألا يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، وأن يقفوا " متفرجين " لا يمنعون فاسداً أن يزاول فساده .