تخطى إلى المحتوى

مؤتمر طنجة المغاربي 28 – 30 أفريل / نيسان 1958. 2024.

مؤتمر طنجة المغاربي 28 – 30 أفريل / نيسان 1958.


خلال أربعة أيام ممتدة بين 27 و30 نيسان 1958، التأم في قصر مرشان الملكي في مدينة طنجة المغربية، شمل وفود تمثل مختلف الأقطار المغاربية لرسم معالم الطريق الوحدوية فيما بينها.
لم يكن ذلك التاريخ بريئاً.. فقد مضى عامان على استقلال كل من تونس والمغرب، وأربعة أعوام على اندلاع ثورة التحرير في الجزائر، وشهران فقط على قيام الجمهورية العربية المتحدة، بعد وحدة سوريا ومصر. ولم تكن تفصل عن ثورة 14 تموز في العراق سوى ثلاثة أشهر.
كان المد القومي العربي في أوجّه. وكان صداه واسعاً في المغارب.
أروع ما في مؤتمر طنجه أنه لم يكن مؤتمراً رسمياً تعقده الحكومات. بل كان مؤتمراً ضم أحزاباً تمثل طموحات شعوب المنطقة.
الوفد المضيف كان برئاسة علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال المغربي، وإلى جانبه كوكبة المناضلين: المهدي بن بركة، وأحمد بلفريج، وعبد الرحيم بوعبيد، والفقيه البصري. جميعهم اليوم في ذمة الله. وقد انضم إلى الوفد المغربي آنذاك وزير موريتاني كان يعيش لاجئاً في المغرب.
تونس مثلها "الحزب الدستوري الحر" بزعامة الحبيب بورقيبة. وضم الوفد الباهي الأدغم ـ (الذي تسلّم رئاسة الوزارة فيما بعد لسنوات طويلة، والطيب المهدي، وعبد الله فرحات، وأحمد التليلي، وعلي بلهوان، وعبد المجيد شاكر.
أما الجزائر فقد تمثلت بوفد من جبهة التحرير الوطني كان على رأسه فرحات عباس، أول رئيس، لأول حكومة جزائرية مؤقتة تشكلت في 19 أيلول من تلك السنة 1958، بعد أقل من خمسة أشهر على انعقاد مؤتمر طنجة، وبناء على توصية صدرت عن ذلك المؤتمر بالذات. وكان إلى جانب عباس كل من عبد الحفيظ بوصوف، والدكتور أحمد فرنسيس، ومولود قايد (رشيد)، وأحمد بومنجل، وعبد الحميد مهدي الذي ما زال إلى اليوم الذاكرة الحيّة لذلك الحدث التاريخي، ولأحداث تاريخية كثيرة. وحضر وقد موريتاني بصفة مراقب، وغاب الحضور الليبي.
مجموع المشاركين في مؤتمر طنجة كان 19 عضواً، في حين توافد 120 صحافياً أجنبياً لتغطية الحدث. تعاقب على المنصة ثلاثة خطباء.
أحمد بلفريج عاد بذكرياته إلى أيام الدراسة في باريس وأعاد الأذهان أحلام الشباب المغاربي آنذاك، بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حين انتخب أول أمين عام لجمعية طلبة شمال افريقيا في العاصمة الفرنسية.
الباهي الأدغم شدد على ضرورة الوحدة المغاربية كشرط للمستقبل المزدهر، وهي الوحدة التي تفرضها روابط التاريخ والجغرافيا والدين والحضارة المشتركة.

الخطيب الثالث فرحات عباس تحدث بلغة الأرقام، فقال ان ثلاثين مليون نسمة (هم تعداد الأقطار المغاربية عام 1958)، يشكلون كتلة بشرية قادرة على لعب دور حاسم في صناعة مستقبل تلك المنطقة إذا ما توحدوا.
بعد انتهاء الخطباء الثلاثة من كلماتهم تداول الحاضرون في جدول أعمال من أربع نقاط. الأولى تناولت حرب التحرير في الجزائر، انعكاساتها على الوضع المغاربي، ووسائل دعمها لتحقيق الاستقلال الناجز. الثانية تطرّقت إلى ضرورة تصفية السيطرة الاستعمارية في كافة الأقطار المغاربية وعلى نحو خاص التواجد الاستعماري الفرنسي في الادارة والاقتصاد، وسحب القوات الأجنبية، وتسوية مشاكل الحدود بين الأشقاء. النقطة الثالثة درست سبل إنجاز الوحدة بين الأقطار المتجاورة، وما ينبغي أن يكون عليه عليه محتواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. النقطة الرابعة والأخيرة كانت إجرائية، وتمثلت بضرورة إنشاء هيئة دائمة للمتابعة.
ختم علال الفاسي المؤتمر، مشدداً على ضرورة توثيق أواصر الوحدة بين الأقطار المغاربية.
وفي الأول من أيار 1958، غداة انفضاض المؤتمر، استقبل العاهل المغربي محمد الخامس في قصره في الدار البيضاء وفداً يمثل المؤتمرين رفع إليه المقررات، فأثنى على جهودهم من أجل توحيد الصف، وأشار إلى الصدفة السعيدة التي جعلت انعقاد المؤتمر يتزامن مع عيد العمال!
مقررات مؤتمر طنجة انطوت على الكثير من الأفكار الموضعية ومن الخطوات العملية، سواء لجهة دعم كفاح الشعب الجزائري، أو لضرورة استكمال الاستقلال الناجز لكل من المغرب وتونس، على كافة الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية.
كان المؤتمرون على درجة عالية من الوعي. فقد ارتأوا مثلاً أن الصيغة الفدرالية هي الأنسب لتحقيق وحدة ثلاثية في مرحلة أولى، مع المحافظة على خصوصيات كل بلد واحترام ظروفه. واقترحوا تشكيل مجلس تأسيسي منبثق عن المجلسين الموجودين في تونس والمغرب، إضافة إلى ممثلين عن قيادة الثورة الجزائرية، وذلك لدراسة القضايا التي تمس المصالح المشتركة، وتقديم التوصيات بشأنها إلى السلطات التنفيذية المحلية.
وفي توصية أخرى تنم عن بعد الرؤية السياسية، دعا المؤتمرون إلى أن لا تقوم أي من حكومات المغرب العربي، بصورة منفردة، بربط مصير الشمال الافريقي بأي طرف خارجي في ميداني العلاقات الخارجية والدفاع، إلى أن تتم إقامة المؤسسات الفدرالية. وكان المقصود بالطبع قطع الطريق أمام مناورات القوى العظمى ـ وعلى رأسها فرنسا الاستعمارية آنذاك ـ لبث بذور الفرقة بين دول وأحزاب المغرب العربي. كما دان المؤتمر دعم حلف الأطلسي لفرنسا في حربها ضد الشعب الجزائري. وشكل أمانة من ستة أعضاء، بمعدل مندوبين عن كل حزب من الأحزاب الثلاثة المشاركة لمتابعة تنفيذ التوصيات.

شكرا جزاك الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.