الإيثار خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وسلوك يتميز به المسلم عن غيره من الناس، وهو
صورة من صور الرقي الأخلاقي والكمال الإنساني، حيث يستطيع المؤمن من خلاله أن
يهزم نفسه ويتغلب على هواه طاعة لله تعالى، ومن أرقى معانيه إيثار محبة الله تعالى ورضاه،
على ما تحبه النفس وتميل إليه وتهواه، والإيثار خلق من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:
لو شئنا أن نشبع شبعنا، ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يؤثر على نفسه.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نكتسب خلق الإيثار، فكان يؤثر الفقراء من
المسلمين ويقدمهم على نفسه وعلى أهل بيته مع شدة حاجتهم، ويقول صلى الله عليه وسلم لأهله :
« لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تلوى بطونهم من الجوع».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على أن يتخلقوا بالإيثار في كل أحوالهم،
وذلك بمخالفة الأثرة في النفس، ومقاومة شعور الأنانية لديها، والسبق بالإيثار والمبادرة إليه،
قال صلى الله عليه وسلم :
« من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على
من لا زاد له».
وقد تحقق هذا الخلق المبارك في سلوك أصحابه صلى الله عليه وسلم حينما آثر الأنصار إخوانهم المهاجرين بأموالهم وأرضهم وديارهم، فزكى الله سبحانه صنيعهم، وأثنى على حسن عملهم، وسجل
لهم القرآن الكريم ذلك، فقال تعالى:
( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
حتى صار خلق الإيثار سجية لأصحابه، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال إني مجهود.
فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء.
ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء.
فقال :« من يضيف هذا الليلة رحمه الله».
فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله.
فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شىء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني.
قال: فعلليهم بشىء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى
السراج حتى تطفئيه.
فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبح غدا على النبى صلى الله عليه وسلم فقال:
« قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة».
فقد آثرت هذه الأسرة ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمته على حظوظها وعلى قوت
عيالها، فأكرم به من خلق، وأعظم بها من ثمرة تقود إلى الجنة، قال بعض الصالحين: مهر الجنة
فطام النفس من حب الشهوات، وإيثار حب الله على محبتك لنفسك.
ومما يعين على اكتساب الإيثار أن يعتقد المسلم أن ما عند الله خير مما عنده، وأن من ترك شيئا لله
تعالى عوضه الله خيرا منه، وأنه سبحانه لن يضيع ما أنفقه، بل سيخلف عليه بأفضل مما آثر به
غيره، قال تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين).
وقد ذم القرآن الكريم من قدم حظ نفسه وآثر هواه، على حب الله تعالى وطاعة مولاه، قال سبحانه:
( فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى* وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس
عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى) وقال تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا* والآخرة خير وأبقى)
فاللهم وفقنا لإيثار ما تحب على ما نحب، ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:
( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
اعلموا أحبائي أن الإيثار يزكي النفس ويطهرها من الهوى، وهو عكس الأنانية، والإيثار
أحد مظاهر التعاون على البر والتقوى التي أمرنا الله عز وجل بها، فقال سبحانه:
( وتعاونوا على البر والتقوى)
كما أنه سبب لنيل محبة الله تعالى ورضوانه، وهو عنوان على صدق محبة العبد لمولاه، فشجرة
المحبة تسقى بماء الإنفاق والإيثار والخصال الحسنة، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى
بعض أصحابه رضي الله عنهم لما يتصفون به من خلق الإيثار خاصة في وقت الشدائد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« إن الأشعريين إذا أرملوا أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد،
ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم».
لطفا إن اعجبك محتوى الرسالة أعد ارسالها لمن تعرف